أخبار الدار

هل أصبحت الصحافة الحزبية في عداد الأموات؟

كثيرة هي الاعتبارات والتجليات الدالة على تراجع الصحافة الحزبية بالمغرب، خصوصا وأن هناك مجموعة من الجرائد التي لم تعد تصدر في الظرفية الحالية، وفي المقابل نشهد جرائد أخرى تعيش تحت تأثير الموت البطيء، الأمر الذي يفسره الدارسون للمجال بتسارع الموجة الرقمية التي أضحت تفتح مجال الحصول على المعلومة بأسرع وقت ممكن فضلا عن كونها تكون في معظم الأحيان غير مكلفة، وهذا الأمر ينضاف إلى تراجع دور الأحزاب التي كانت في السابق تضطلع بمهمة التأطير السياسي، غير أن هذه الوظيفة لم تعد كما كانت في السابق إنما طالتها مجموعة من التغيرات الجذرية، بالنظر لتعدد الولوجيات للمعلومة السياسة بفعل وجود القابلية التي تؤثث الفضاء لذلك.

هل الصحافة الحزبية كانت مجرد مرحلة والآن انتهت؟ تعد هذه واحدة من أهم التساؤلات التي تتبادر للذهن كلما عرض موضوع الصحافة الحزبية للنقاش، الأمر الذي يحيل مبدئيا على وجود مجموهة من العوامل التي تتداخل فيما بينها لتولد هذا النتاج الفعلي المتمثل في العزوف عن الصحافة الحزبية.  

خطاب سياسي عقيم لا يواكب الثورة الرقمية

يقول الباحث في العلوم السياسية عمرمروك في تصريح لموقع "الدار"، إن أزمة الصحافة الحزبية هي أمر مفروغ منه، والأسباب الماثلة وراء هذه الإشكالية متعددة بالنظر لتداخل العوامل الفاعلة في تأجيج هذا الوضع، إذ يضيف أن الأزمة هي بالأساس أزمة الخطاب الحزبي الذي فقد في الظرفية الحالية قوته التواصلية ولم يعد يتمتع بالقوة التواصلية الكفيلة بتمرير الرسائل السياسية الضرورية.

وأضاف أن الثورة الرقمية الحالية، أدت إلى خلق مجموعة من البدائل الإعلامية الجديدة التي سهلت الولوج للمعلومة، إلى جانب ظهور مجموعة من المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل من المعلومة معطى أساسيا ومتاحا بدون تكلفة مادية، في مقابل هذا الأمر أصبحت المؤسسات الصحافية الإعلامية الحزبية مقاولات ضعيفة لا تقوم بالدور المنوط بها، وبالتالي فهذا الأمر يضعف استمراريتها كمقاولات حزبية خصوصا وأن ضعف الدعم المادي في هذا الصدد يشكل عائقا حقيقيا يعوق عملية التأطير السياسي.

وأشار أن شبكات التواصل الاجتماعي تعتبر العائق الأول الذي يحد من فعالية الصحافة الحزبية، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاوزه في الظرفية الحالية بالنظر للثورة الرقمية التي تطال المجتمع المغربي، وتخيم بشكل ملحوظ على الإعلام، الأمر الذي يرشح نجاح الإعلام الرقمي في زمن أصبح فيه اقتناء الصحف الحزبية بمثابة خيار ضعيف.

وأشار في السياق نفسه أن ممارسة السياسة شهد مجموعة من التغيرات، حيث أن هذه التغيرات لم تعد تقتصر فقط على المناهج التقليدية والكلاسيكية، بل تجاوزتها وهذا هو الأمر الذي جعل الأحزاب غير قادرة للوصول إلى المواطنين بهدف التكوين والتأطير، وللإشارة فإن تراجع الصحافة الحزبية لا يعتبر حكرا على المغرب فحسب إنما  الأمر ينطبق على جميع دول العالم ما يستدعي مجموعة من المراجعات الفعلية.

الأزمة تشمل الإعلام المكتوب وليس الحزبي فقط

ومن جهته قال عبد الله البقالي عن جريدة العلم في تصريح لموقع "الدار"، أن الأزمة التي تطال الصحافة الحزبية لا تخص الإعلام الحزبي بالمغرب فحسب إنما تطال مجموعة من الدول،  بالإضافة إلى كونها أزمة لا تعتبر حكرا على الإعلام الحزبي ولكن تشمل الإعلام المكتوب بشكل عام، والسبب يعزى بالدرجة الأولى إلى تسارع وتيرة تطور الثورة الرقمية.

وأوضح البقالي أن الإعلام الإلكتروني الذي يعتبر الوجه البارز في خضم هذه الثورة، يعرف فوضى كبيرة تأتي على الأخضر واليابس. مضيفا أن الصحافة الحزبية تعتبر جزءا لا يتجزأ من الإعلام الوطني، وبالتالي فهذا التحدي لا يقتصر على الصحافة الحزبية فحسب إنما يشمل مجموعة من المنابر الإعلامية التي تنضوي تحت لواء الإعلام الوطني.

ومن ثم فقد شدد المتدخل نفسه، على أن الإعلام الإلكتروني يواجه مجموعة من التحديات الطارئة، ومردها إلى سوء تنزيل القوانين الجذيرة بالتطبيق، الأمر الذي يستدعي خلق مواقع إلكترونية تابعة للصحف الحزبية بهدف مواكبة الزحف الرقمي الذي أصبح يوفر المعلومة بالمجان ودون دفع التكلفة.

بلغة الأرقام…أزمة الصحافة الحزبية حقيقة

في السياق ذاته يقول عبد الناصر الكاوي وهو صحفي بجريدة العلم، في تصريح خصه بصحيفة"الدار" بداية يجب الإشارة إلى أن مبيعات الصحف الورقية بشكل عام في تراجع سنة بعد أخرى في بلادنا، ولا يقتصر الأمر على الصحف الحزبية،  دليله بالأرقم، أن أول جريدة ورقية من حيث المبيعات في بلادنا لم تبع خلال 2017 سوى 37 ألف نسخة، حسب مكتب التحقق من انتشار الصحف المغربية، بينما كانت أول جريدة ورقية قبل عامين مثلا تبيع أزيد من 82 ألف نسخة.

وأضاف أنه بالمقارنة يظهر الوضع الخطير حينما نعلم أن قرابة 36 مليون نسمة لا يقرأون غير 300 ألف نسخة في ليوم ! وبعيدا عن الحديث عن ضرورة إعادة النظر في نموذجها الاقتصادي، والبحث عن الدعم في صندوق القراءة ودعم وزارة الثقافة والاتصال، وغيرها من الحلول للحيلولة دون انقراضها، فإن الصحافة الحزبية حتى وإن استغلت على تجديد خطها التحريري، وتنويع موادها، ومعالجة الخبر بمهنية، فإن سمة الحزبية تبقى منفرة للقارئ منها.

في انتظار المجهول … الصحافة الحزبية والعاملون فيها يعانون

وأوضح أن أغلب المتحدثين عن تراجع الصحافة الحزبية لا يقرأونها بل يكتفون بالحديث انطلاقا من أحكام مسبقة، ومن الغريب أنه لا يتم الرجوع إلى هذه الصحافة والاعتراف بها إلا إذا أخطأت وخلقت ضجة، أو نشرت تحقيقا كما حدث أخيرا مع جريدة حزبية فأصبح الناس يتهافتون على عددها في الأكشاك فلا يجدونه. قد تندثر الصحافة المكتوبة بعد عقود كما ينظر لذلك البعض، وقد تستمر في صراع البقاء حفظا لماء وجه الثقافة والتاريخ، وقد يتحول الكل إلى ألإلكتروني كلها فرضيات ممكنة، لكن اليقيني الآن على الأرض هو أن الصحافة الحزبية والعاملون فيها يعانون في انتظار المجهول.

ومن جهته، أكد حسن أنفلوس صحفي بيومية بيان اليوم أن تراجع الاعلام الحزبي لا يتم بمعزل عن الوضعية العامة التي يعرفها الإعلام المغربي والتغييرات التي يعرفها، سواء على مستوى سلوك وتوجهات القارئ أو على مستوى متطلبات التمويل ومواكبة التغيرات التي فرضتها الطفرة الرقمية. "فالتراجع إذن إذا اقتصرنا على الصحف الورقية، شمل الجميع سواء الجرائد الحزبية أو الخاصة".

وبالعودة إلى الاعلام الحزبي وأسباب تراجعه، فظهور الجرائد الخاصة في مرحلة من المراحل، فتحت آفاقا جديدة أمام القارئ سواء من حيث طريقة طرح المواضيع أو من حيث سقف هذا التناول، فيما تظل الجرائد الحزبية مرتبطة في غالب الأحيان بالتوجه السياسي للحزب المالك لها.

وشدد المتدخل نفسه على  أن بعض الأحزاب السياسية أصحبت لا تولي الاهتمام اللازم للمؤسساتها الإعلامية خاصة من حيث المواكبة والدعم، بل إن بعضها كان يتوفر على مؤسسات إعلامية سواء في الاعلام المكتوب أو الرقمي، وتخلى عنها فيما بعد.

وأضاف أن من الأسباب المهمة أيضا، تغيير سلوك القارئ المغربي، حيث هجر الجرائد الحزبية، بل بدأ في هجران الجرائد الخاصة أيضا، وذلك بفعل موجة الرقمنة والتطور المتزايد للمواقع الإخبارية التي تنقل الأخبار في حينها، وتصل القارئ بلمسة زر.

وتابع قوله بالتأكيد على أن أبرز مثال على ذلك، التراجع الكبير الذي عرفته مبيعات الصحف خلال السنوات الأخيرة، إذ تقلصت مبيعات الجرائد الورقية الخاصة والحزبية بشكل كبير، بحسب إحصائيات OJD.

ومن جانب آخر، هناك إكراه التوزيع بالنظر إلى أن التوزيع يرتبط بعدد المبيعات، فكلما كان عدد المبيعات مرتفعا تكون الجريدة حاضرة في نقط التوزيع وكذلك بالعكس، فضلا عن كون هذه العملية مكلفة من الناحية المالية.

وفي السياق ذاته يطرح إكراه الموارد المالية واستدامتها، ويرتبط هذا الإكراه  بقدرة المؤسسات الحزبية المالكة لهذه الجرائد أو المواقع الإخبارية في توفير الموارد المالية المهمة التي يحتاجها تمويل الجريدة على طول سلسلة الإنتاج، على اعتبار أن المؤسسات الإعلامية الحزبية لا تستفيد من الإعلانات بشكل يضمن لها الموازنة المالية أو على الأقل تقليص الفوارق بالنظر إلى ارتباط الجرائد الحزبية بتوجه سياسي معين، وهو ما يشكل نوعا من الاحراج " غير المفهوم"  لبعض المؤسسات العمومية أو الخاصة المعلنة.

شهدت تراجعا لكنها شكل من أشكال التنوع الفكري… الصحافة الحزبية

وقال نور الدين مفتاح عن فدرالية الناشرين لموقع "الدار" لا يمكن أن ننكر الأهمية البالغة التي يحظى بها الإعلام الحزبي سواء تعلق الأمر بالماضي أو الظرفية الحالية، خصوصا وأن المغرب يشهد له السبق في احتضان الصحافة الحزبية، التي شهدت مجموعة من التطورات الجذرية بداية بظهور مجموعة من الصحف الرائدة، وأشار أن تراجع الصحافة الحزبية لا يعد وليد اللحظة إنما كان نتاجا فعليا لتلاقح مجموعة الأسباب، كما أشرا في السياق ذاته أن الصحافة الحزبية  في رفع الشعارات الكبرى التي ظلت عنوانا للمهنية، الديموقراطية و الحرية.

وأوضح أن المرحلة الثانية كانت هي ظهور الصحافة المستقلة، لتعقبها بعد سنوات الثورة الرقمية التي شملت مجموعة من الأصناف الإعلامية من قبيل شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وكذلك المنصات الرقمية على اختلافها. لتكون النتيجة هي تولد عدة انعكاسات سلبية طالت الصحافة الورقية بصفة عامة ولم تقتصر فقط على الصحافة الحزبية لأنها جزء لا يتجزأ من الإعلام الوطني ككل، لكن هذه التحديات لا يجب أن تضعف أهمية الصحافة الحزبية لأنها تظل إضافة نوعية خصوصا وأنها تعد شكلا من أشكال التنوع الثقافي والفكري والمعرفي.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى