كورونا وسارس وإنفلونزا الطيور.. لماذا تظهر كثير من الفيروسات بالصين؟
شهدت الصين تفشي عدة أمراض خلال السنوات الماضية مثل سارس وإنفلونزا الطيور، وحاليا تشهد انتشارا لنوع جديد من فيروس كورونا أدى لوفاة 17 شخصا وإصابة نحو ستمئة. فلماذا يحدث هذا في الصين تحديدا؟
وأغلقت السلطات مدينة ووهان التي تعتبر مركز انتشار فيروس كورونا الجديد، في حين تسعى السلطات الطبية على مستوى العالم لمنع انتشاره وتحوله إلى وباء.
ما هو هذا الفيروس؟
نوع جديد من فيروسات كورونا (الفيروسات التاجية) وهي سلاسة تضم عددا كبيرا من الفيروسات التي قد تؤدي إلى أمراض تتراوح بين الزكام وأمراض أخرى أكثر خطورة مثل سارس.
وينتمي لعائلة الفيروسات التاجية، وأخذت اسمه من الكلمة اللاتينية “كورونا” وتعني الهالة والتاج، لأنه يظهر تحت المجهر ككرة تحيط بها خيوط ممتدة مما يجعل شكلها كالهالة التي تحيط بالشمس أو كزوائد التاج. وتهاجم الفيروسات التاجية على عمومها الجهاز التنفسي والقناة الهضمية للثدييات والطيور.
وتم رصد ظهور الفيروس في سوق لبيع ثمار البحر بالجملة في ووهان. ولا يزال مصدره المحدد مجهولا لكن فترة حضانة الجسم له يفترض أن تكون حوالي 14 يوما.
ويسبب الفيروس أعراضا مماثلة للبرد أو الأنفلونزا، وحتى اللحظة أدى إلى وفاة 17 شخصا، وإصابة نحو ستمئة.
هل له لقاح؟
لا، فحتى اليوم الخميس لا يوجد. وهو ما أكده التحالف العالمي للقاحات والتحصين من أن تطوير لقاح ضد فيروس كورونا الجديد يحتاج على الأرجح عاما على الأقل.
وقال المدير التنفيذي سيث بيركلي -في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية- إنه من الصعب الآن تقييم مخاطر الفيروس، مضيفا “لكن الخبر السار أن العلماء قد فكوا بالفعل الشفرة الجينية للفيروس ونشروها، وهو ما مكن العديد من المنظمات في جميع أنحاء العالم من البدء في تطوير لقاح مضاد للفيروس”.
ما أبرز الأوبئة التي ظهرت بالصين؟
وقبل هذا المرض شهدت الصين عدة أوبئة، نلخصها بهذا الجدول:
الإنفلونزا الآسيوية : تعود بؤرة هذا الوباء إلى الصين، وانتشر على نطاق واسع شتاء 1957 إلى ربيع 1958، على موجتين حادتين
إنفلونزا هونغ كونغ : اعتبر برأي علماء الأوبئة أول وباء عام انتشر على نطاق واسع بالعصر الحديث، أي عصر وسائل النقل الجوي السريع، والأول أيضا الذي أشرفت على مراقبته شبكة عالمية
متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” : ظهر في إقليم غوانغدونغ جنوب الصين
إنفلونزا الطيور “أتش5 أن1” : منذ 2003 اجتاحت إنفلونزا الطيور بداية مزارع دجاج بهونغ كونغ قبل انتقالها إلى البشر، ودفعت منظمة الصحة لإعلان حالة طوارئ صحية عامة
ويعرف الوباء بأنه حالة انتشار لمرض معين، حيث يكون عدد حالات الإصابة أكبر مما يتوقع في مجتمع محدد أو مساحة جغرافية معينة أو موسم أو مدة زمنية. وهذا وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية. وقد يحدث الوباء بمنطقة جغرافية محصورة أو يمتد في عدة دول، وقد يستمر عدة أيام أو أسابيع، وربما يستمر لسنوات.
يمكن ملاحظة أن الصين قد شهدت الإنفلونزا الآسيوية، وإنفلونزا هونغ كونغ، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” وإنفلونزا الطيور”أتش5 أن1″، فهل هناك سبب محدد؟
انخفاض كبير
بداية يجب التأكيد على أن الصين شهدت انخفاضا كبيرا في انتشار الأمراض المعدية وعبئها منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، وهو إنجاز تحقق عبر التدخلات الصحية الفعالة والواسعة النطاق وبرامج التطعيم الكبيرة للسكان.
ونجحت الصين في القضاء على 11 مرضا معديا، بما في ذلك الجدري من عامة السكان أوائل الستينيات قبل 19 عاما من استئصاله عالميا، وتم القضاء لاحقا على عشرة أمراض معدية أخرى، بما فيها شلل الأطفال.
وتعتمد أنظمة المراقبة للأمراض المعدية في الصين بشكل رئيسي على المستشفيات، ويقدر أنه عام 2018 تجاوز عدد المستشفيات 33 ألفا، توفر أكثر من ستة ملايين سرير، ويعمل في القطاع الصحي أكثر من 11 مليونا.
الانتشار
يحدث الوباء في عدة حالات، مثل نشوء نوع فرعي جديد من فيروس، مما يعني أن البشر يكون لديهم مناعة ضئيلة أو معدومة له. أو أن يصبح الفيروس قادرا على الانتقال بسهولة بين البشر عبر العطس أو السعال مثلا.
يعتمد انتشار الوباء على عدة عوامل، منها شدة المرض الذي يسببه، وسهولة انتقاله بين البشر، والكثافة السكانية، وتوافر الخدمات الصحية، وطبيعة المكان الذي انتشر فيه المرض، وهل هو مفتوح ويشهد حركة كبيرة للمسافرين أم لا.
مع تطور وسائل النقل لم يعد مكان في العالم معزولا، وأي وباء يبدأ في أي مكان فإنه من السهولة انتقاله لأماكن أخرى في العالم مع حركة المسافرين والبضائع.
لذلك لا يمكن القول إن هناك سببا معينا يجعل الصين ترتبط بأوبئة أكثر من غيرها من البلدان، والدليل أن العالم شهد تفشيا لأوبئة أخرى في مناطق متعددة، مثل فيروس زيكا في أميركا الجنوبية، وإيبولا في أفريقيا، والإنفلونزا الإسبانية في أوروبا.
وما قد يكون أكثر أهمية بالنسبة لوضع الصين أنها مركز اقتصادي علمي وتشهد حركة هائلة للمسافرين والبضائع، وهذا قد يهدد بشكل أكبر بانتشار مرض معين أو وباء.
ولكن من الواضح أن الصين تعي ذلك وتعمل بشكل دقيق، والدليل أن السلطات أغلقت اليوم ووهان التي تعتبر مركز انتشار فيروس كورونا الجديد.
أي بلد في العالم قد يشهد ظهور فيروس جديد أو وباء، ولكن المهم هو تعامل السلطات الصحية معه، ويرى العديد من الخبراء أن الصين طورت خلال السنوات الماضية من طريقة استجابتها لهذه الحالات، فمثلا على عكس السرية التي أحاطت بانتشار فيروس الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) عامي 2002 و2003، تورد الحكومة هذه المرة تحديثات منتظمة للمعلومات.
كما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الرسمية عن سون تشونلان نائبة رئيس الوزراء قولها خلال زيارة ووهان إن السلطات يجب أن تتحلى بالشفافية بشأن الانتشار والجهود المبذولة لاحتوائه، وهو تصريح من شأنه طمأنة خبراء الصحة في العالم.
قوية جدا
من جهته صرح مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدانوم جبرايسوس أن الإجراءات التي اتخذتها الصين حتى الآن “قوية جدا” لكنه دعاها إلى “اتخاذ إجراءات أكبر للحد من الانتشار الدولي”.
وأضاف “أكدنا لهم أن اتخاذ إجراء قوي لن يتيح لهم السيطرة على انتشار الفيروس في بلادهم وحسب بل والتقليل كذلك من فرص انتشاره دوليا”.
ختاما يعتقد بعض الخبراء إن الفيروس الجديد ليس بخطورة فيروسات كورونا السابقة مثل السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) التي أودت بحياة أكثر من 700 مريض منذ 2012.
وقال برندان ميرفي كبير المسؤولين الطبيين في أستراليا للصحفيين اليوم الخميس “الدلائل المبكرة في هذه المرحلة تشير إلى إنه ليس خطيرا مثل سارس وميرس”.
المصدر : وكالات,الجزيرة,مواقع إلكترونية