الرأيسلايدر

هل أطلقت الخارجية المغربية مرحلة الواقعية والعقلانية؟

الدار/ افتتاحية

شكلت تصريحات وزير الشؤون الخارجية والتعاون ناصر بوريطة يوم الثلاثاء الماضي والتي قال فيها إن مواقف المغرب بخصوص خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ”صفقة القرن” يجب أن تكون عقلانية وليست عن طريق المزايدات الفارغة “استفزازا” بالنسبة للكثيرين. ظهرت نتائج هذا “الاستفزاز” بسرعة على مستويات لم تستثن حتى منظومة الدبلوماسية عندما قرر السفير عبد القادر الشاوي الخروج عن صمته والتعليق على تصريحات الوزير بالقول “نعم يجب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين”. لكن بالنسبة للكثير من المهتمين بملف الشؤون الخارجية فإن هناك إرهاصات واضحة من تصريحات ناصر بوريطة تؤكد احتمال دخول المغرب ودبلوماسيته مرحلة جديدة ومختلفة.

لقد بدا واضحا من تصريحات الوزير معالم هذه المرحلة بعد أن أعاد التذكير بأن للمغرب قضيته الوطنية الخاصة به قائلا إن “قضيتنا الأولى هي الصحراء المغربية وليس القضية الفلسطينية”. وبدت الثقة الكاملة التي يتكلم بها الوزير أن الأمر لا يتعلق بانفعال عاطفي بقدر ما يمثل نهجا ربما سيميز المرحلة السياسية المقبلة. وقد ذهبت بعض التخمينات أبعد من المعقول عندما تحدثت عن صفقة تتدخل فيها تل أبيب لدى واشنطن لطي ملف الصحراء مقابل انخراط كامل للمغرب في تأييد ودعم صفقة القرن. وإذا كان هذا الأمر قد ينطوي على قدر من المبالغة فإن المؤكد هو أن خطاب وزير الخارجية يريد تقرير حقيقة دبلوماسية مهمة تتمثل في ضرورة الفصل بين المصالح الوطنية والاعتبارات القومية والتاريخية التي تبين بعد عقود أن رياحها قد لا تسير بما تشتهيه السفن.

لقد حاولت الدبلوماسية المغربية في السنوات الساخنة الأخيرة إمساك العصا من الوسط، بالحفاظ على تحالفاتها العربية وفي الوقت نفسه النأي بالنفس من الصراعات التي قد تدور بين الأشقاء. لكن تقييم حصيلة هذا النهج تظهر أن المغرب بدأ من جديد يعيش حالة من العزلة العربية والإقليمية. وكان مؤشر هذه العزلة استبعاده من مؤتمر برلين المنعقد في دجنبر الماضي حول القضية الليبية. فعلى الرغم من وضعه الإقليمي ودوره السياسي السابق في محاولة حل هذه الأزمة لم يحظ المغرب بشرف الحضور مما دفعه إلى الاحتجاج رسميا لدى السلطات الألمانية.

لكن الأمر لا يمكن عزوه فقط إلى هذه الحادثة العابرة، هناك أيضا إكراهات جيواستراتيجية وسياسية تفرض على المغرب باستمرار التأقلم مع رياح العلاقات الدولية. فالمغرب يعيش باستمرار تحت ضغط جيران غير مستقرين تجاهه. فالجزائر لا تزال تصر على دعم الانفصال رغم التغيير السياسي النسبي الذي حدث فيها، كما أن إسبانيا تعيش مرحلة سياسية ليست مريحة لمصالح المغرب، وظهر ذلك من خلال الحساسية التي قابلت بها قرار المغرب ترسيم حدوده البحرية. وليست علاقات المغرب مع جاره الجنوبي موريتانيا بأفضل حالا، بل إن وزير الشؤون الخارجية لم يتردد قبل أيام اعتبار العلاقات مع إسبانيا أفضل حالا من نظيرتها مع موريتانيا والجزائر.

لهذه الاعتبارات وغيرها من الإكراهات الاقتصادية على الخصوص، يجد المغرب نفسه مرغما على تغيير توجهاته حسب الظروف. وفي هذا الإطار فمن المتوقع أن تتميز المرحلة الدبلوماسية الجديدة بقدر كبير من الواقعية والحذر في مقاربة القضايا القومية والعربية والإسلامية. وكان الملك محمد السادس قد دعا في رسالة وجهها إلى المشاركين في الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس منظمة التعاون الإسلامي إلى تجاوز أسباب وعوامل الانقسام والطائفية “المقيتة”، مؤكدا أنه قد “أصبح من الملح معالجة الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا الوضع، المنذر بالعديد من المخاطر، والعمل الصادق على حل الخلافات البينية، واعتماد الآليات الكفيلة بتحصين منظمتنا من مخاطر التجزئة والانقسام”.

زر الذهاب إلى الأعلى