المواطنحوادثسلايدر

المغاربة خائفون من خسارة واحاتهم

هوليوود أفريقيا تكافح مخاطر التصحر، وارتفاع درجات الحرارة يهددها بالزوال لما له من تأثير كبير على مواردها المائية.

تحيط جذوع نخل يابسة بأطلال بيت طيني تهاوت جدرانه بعد أن هجره أهله، في مشهد يؤكد أن خطر زوال الواحات بسبب الجفاف “حقيقي لا مبالغة فيه”، بحسب قول محمد الهوكاري، أحد أبناء واحة سكورة في جنوب شرق المغرب.

ويقف الهوكاري -وهو ناشط مهتم بالبيئة- بجانب ساقية جافة في المكان، مضيفا “نشأت في هذه الواحة وأنا شاهد على تقلصها تدريجيا. التصحر هنا جلي (يمكن رؤيته) بالعين المجردة، بينما اختفت عدة كيلومترات مربعة في واحات أخرى”.

وواحة سكورة جزء من الواحات التي ضمت على مدى قرون تجمعات سكانية وأنشطة زراعية وتراثا معماريا وثقافيا متميزا، مستفيدة على الخصوص من موقعها على طريق القوافل التجارية القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء.

وتبعد واحة سكورة عن مركز ورزازات حوالي 40 كلم في اتجاه قلعة مكونة وتنغير، وهي تقع في الجنوب الشرقي من المدينة السياحية والسينمائية المعروفة باسم “هوليوود أفريقيا”.

وشكلت الواحات في الماضي حاجزا طبيعيا في مواجهة الصحراء الكبرى الممتدة شرقا وجنوبا. ونبّه بيان لمنظمة “غرينبيس” الناشطة في مجال الدفاع عن البيئة، أخيرا، إلى أن الواحات “تواجه خطر الزوال، وعلينا التحرّك سريعاً لنجدتها”.

ولفتت المنظمة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة “يهددها (يهدد المنطقة) بالزوال لما له من تأثير كبير على مواردها المائية. فقد انخفضت المحاصيل الزراعية ونشاطات تربية المواشي، ما أدى إلى نزوح سكانها”.

ووحدها أشجار الزيتون التي تعتبر ثروة ما زالت صامدة مستظلة بأشجار نخيل في حقول صغيرة متناثرة باتجاه مركز الواحة غربا، وسط تربة صفراء عارية يمكن رؤية تشققات فيها نتيجة انحباس المطر. ويرجع ذلك إلى أن شجرة الزيتون من الأشجار المعمرة.

وتسقى أشجار الزيتون من مياه الآبار التي صارت الآن أعمق من أي وقت مضى. وتقع في حقول صغيرة تخترقها طرق ملتوية غير معبدة تكاد تكون خالية من أي حركة.

وتفضي تلك الممرات إلى مركز الواحة حيث تتجاور بيوت طينية على الطراز المعماري التقليدي وأخرى إسمنتية. وبينما كانت المنطقة تجذب مزارعين للاستقرار فيها قبل سنوات، تراجع النشاط الزراعي وهجرها أغلب شبابها للعمل في مدن أخرى.

وقال الهوكاري (53 عاما) “لن يصدق من يرى هذه المساحات الجرداء أن أشجار الرمان والتفاح كانت تزهر هنا”.

وأضاف متحسرا “لم نكن نأكل سوى الخضار والفواكه التي كانت تزرع في بساتين هذه الواحة، وذلك حتى الثمانينات (من القرن الماضي)”.

وأعرب المزارع أحمد عن يأسه قائلا “مستعد لبيع أرضي لو أجد شاريا، لكن الكل هرب”.

واستقر هذا الخمسيني مع عائلته هنا قبل 25 عاما “حين كانت المنطقة خضراء والماء متوفرا، لكن الجفاف قضى على كل شيء”، كما يقول بصوت منخفض شاكيا من التكاليف الباهظة لمضخات المياه الكهربائية.

وبحسب شهادات لسكان المنطقة، كان استغلال الفرشة المائية متيسرا على عمق 7 إلى 10 أمتار حتى الثمانينات، أما الآن فيتوجب التنقيب عن الماء في عمق يفوق 40 مترا.

وفاقم الإقبال المتزايد على المضخات الكهربائية استنزاف الفرشة المائية، حسب رأي عبدالجليل (37 عاما) الذي يقضي معظم العام بين مدينتي مراكش وأغادير حيث يعمل كهربائيا، ويقول “لم تعد لنا حياة هنا، كل الشباب هجروا الواحة”.

ويشاطره الهوكاري الرأي متأسفا على التخلي عن الطرق التقليدية التي كانت تستعمل في الواحات لتوزيع المياه “بطريقة اقتصادية ومعقلنة بين السكان”، مشيرا بشكل خاص إلى تقنية “الخطارات”، وهي سواق تحت أرضية تحفظ المياه لوقت أطول وتوزعها على السكان وفق نظام معين. وأوضح عميد كلية مدينة ورزازات، لحسن ميموني، في مؤتمر احتضنته المدينة أواخر يناير حول السياحة التضامنية في الواحات، أن “الأنشطة الواحية تعتمد على المياه الباطنية التي تغذيها الثلوج، لكن ارتفاع الحرارة في الثمانينات والتسعينات جعل هذا الفضاء يعاني كثيرا”.

ومن الواحة، يمكن رؤية بعض قمم الجبال المكسوة بالثلوج في مشهد يناقض جفاف الواحة الجرداء. ولم تكن السماء رحيمة هذه السنة بما يكفي لتروي ظمأ الوديان التي تخترق الواحة وتلطف حرارتها المرتفعة نهارا.

وتظهر آثار الجفاف في الوديان على طول الطريق الجبلية الوعرة من مراكش غربا إلى مدينة ورزازات فواحة سكورة شرقا.

وتواجه الواحة التي تمتد على طول ثلاثة وديان رئيسية -وادي دادس شرقا ووادي الحجاج الذي يخترقها من الوسط غربا وأخيرا وادي إمدري الذي يحدها غربا- خطر جفاف مواردها المائية بسبب التغير المناخي الذي أثر سلبا على حالة الطقس وساهم في ارتفاع درجات الحرارة في مختلف أنحاء العالم بمعدل يفوق المعتاد.

وبحسب خدمة “كوبرنيكوس” الأوروبية لمراقبة المناخ كانت الأعوام الخمسة الأخيرة أكثر دفئا مع ارتفاع الحرارة بين 1.1 و1.2 درجة مئوية فوق الحرارة المسجلة قبل حلول الثورة الصناعية.

وأعلنت خدمة كوبرنيكوس أن شهر يناير الماضي، تجاوز متوسط الحرارة ما كان مسجلا في يناير 2016 الأكثر حرا، بـ0.03 درجة مئوية.

وازدادت معدلات الجفاف في المغرب من مرة كل خمس سنوات إلى مرة كل سنتين، بحسب تقرير حول تأثير المناخ على البلدان العربية نشرته “غرين بيس”.

ويعتقد الهوكاري أن نجدة الواحة تمر أولا عبر “توعية” السكان بمخاطر التصحر، متأسفا على “اجتثات الكثيرين النخيل لبيعه إلى سماسرة يزينون به فيلات المدن، بسبب العوز وعدم الوعي بأهميته في مواجهة التصحر”.

وأطلقت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات (رسمية) برنامجا لإنقاذ الواحات “مكّن من غرس ثلاثة ملايين شجرة”، بحسب مدير الوكالة إبراهيم حفيدي الذي يشير إلى أن البرنامج يهدف إلى توفير “مليار متر مربع من المياه في أفق نهاية 2020، وهو برنامج يشهد تقدما”.

ولا تهدد ندرة المياه الواحات والأنشطة الزراعية فحسب، بل تهدد كذلك مدنا شبه صحراوية مثل زاكورة (جنوب) التي شهدت في 2017 تظاهرات ضد الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب.

ولمواجهة مخاطر شح المياه أطلقت المملكة مطلع يناير الماضي برنامجا للتزود بالماء 2020 – 2027، كلفته نحو 12 مليار دولار، يقوم على بناء 20 سدا كبيرا في مناطق مختلفة واستكشاف مواقع المياه الجوفية.

ووفقا لوكالة الأنباء المغربية، قال وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت إنه تم إنجاز جرد شامل لتقييم وضعية العجز وتحديد الحاجيات المستقبلية.

المصدر: الدار- وكالات

زر الذهاب إلى الأعلى