الرأيسلايدر

القضاء يكشر أنيابه في وجه الفساد.. هل هي مرحلة انتقالية؟

الدار / افتتاحية

تأتي قرارات الهدم التي اتخذتها السلطات المحلية بجهة سوس ماسة ضد المشاريع والبنايات المخالفة في مشروع “تاغازوت باي” لتعزز الوتيرة المتصاعدة في الشهور الأخيرة لتفعيل الإجراءات والمساطر الإدارية والقضائية في مختلف قضايا الفساد والخروقات. في ظرف أسابيع قليلة أحيلت الكثير من الملفات على الغرف القضائية المتخصصة، وأطلقت أبحاث قضائية في ملفات أخرى، وصدرت أحكام ثقيلة في حق من ثبتت عنهم جرائم الفساد أو نهب المال العام. ويبدو ونحن على بعد أيام قليلة من ذكرى عشرين فبراير أن الدولة تفتح مرحلة جديدة في إطار إرساء قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة.

يوم الأربعاء قبل الماضي صدرت أحكام ثقيلة في حق مدير الوكالة الحضرية لمراكش وزوجته ومهندس معماري متهمين بالتورط في ملف رشوة بقيمة مليار سنتيم، وبالأمس تداولت تقارير إعلامية إمكانية إعادة فتح ملف القرض العقاري السياحي، وقبل أقل من أسبوعين وجهت استدعاءات للكثير من المنتخبين حيث قرر الوكيل العام للملك بمدينة مراكش متابعة عبد العالي دومو، الرئيس السابق لجهة مراكش تانسيفت الحوز والبرلماني الأسبق في حزب الاتحاد الاشتراكي، من أجل جنايات تبديد واختلاس أموال عامة والتزوير واستعماله وإتلاف وثائق من شأنها الكشف عن جناية، وقبله بفترة تمت إحالة برلماني عن دائرة مراكش في حزب الأصالة والمعاصرة بعد ضبطه متلبسا برشوة.

هذه القضايا المتزايدة وغيرها تتزامن مع حملات محلية أخرى تتعلق بتحرير الملك العمومي في العديد من المدن. كما تشهد المحاكم أيضا فتح ملفات قضائية ساخنة تورط فيها فنانون ومشاهير كملف “حمزة مون بيبي” الذي لا يزال قيد التداول. وفي وقت تصاعدت فيه الإدانات القضائية يزداد نشاط المجتمع المدني في الترافع ضد الفساد والمفسدين حيث تطالب الجمعية المغربية لحماية المال العام مثلا منذ فترة بالاستماع إلى محمد مبديع، البرلماني عن حزب الحركة الشعبية رئيس بلدية الفقيه بنصالح، بعد ظهور معطيات صادرة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية بخصوص تسيير المدينة ذاتها.

هذه الوتيرة غير المسبوقة في تناول الملفات والقضايا التي يتورط فيها المسؤولون والمشاهير تنبئ بانطلاق مرحلة انتقالية تدريجية يتم فيها التطبيع مع محاكمة المتورطين في الفساد مهما كانت مواقعهم أو مسؤولياتهم السياسية والإدارية. وبالنظر إلى حجم انتشار الفساد الذي تكشفه تقارير المجلس الأعلى للحسابات وكذا تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية فإن من الظاهر أن القرار السياسي الذي تم اتخاذه منذ إقرار دستور 2011 يحاول تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لكن بطريقة تدريجية لا تثير الفتنة خصوصا في الأوساط الحزبية التي لا يزال بعضها لا يميز بين الولاء للحزب ورفاقه وبين الولاء للقانون وضوابط النزاهة. هذا ما سبق أن ظهر في حالة الوزير الاتحادي السابق خالد عليوة الذي حظي بتدخل حزبي من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من أجل تمتيعه بالسراح.

وبينما تعزو بعض المصادر القضائية ارتفاع وتيرة فتح ملفات الفساد إلى الدورية التي وجهها رئيس النيابة العامة بضرورة الحرص على إجراء تحريات حول ما يصل إلى الجهات المعنية من معلومات حول أفعال الفساد، إلا أنه لا يمكن فهم ما يجري خارج إطاره السياسي الذي تميز منذ تقرير “الحسيمة منارة المتوسط” بتوجه الدولة نحو عدم التساهل مع مظاهر الفساد ونهب المال العام. وكان هذا التقرير قد انتهى بقرارات عقابية في حق بعض الوزراء حيث تم إعفاء بعضهم بينما حرم آخرون من تحمل أي مسؤولية سياسية في المستقبل.

ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة فتح ملفات فساد أخرى في مدن عديدة حسب ما كشفته بعض المصادر من المجتمع المدني، بعد أن تزايدت وتيرة رفع القضايا ضد بعض المسؤولين المتهمين باستغلال النفوذ وتبديد المال العام.

زر الذهاب إلى الأعلى