الدار / افتتاحية
على الرغم من أن التصدي لانتشار فيروس كورونا أضحى أمرا صعبا لكن خريطة انتشاره عالميا تظهر أن تعاطي بعض الحكومات مع الوباء كان أفضل من غيرها. ما حدث في إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية على سبيل المثال من جائحة ليس مرده فقط سرعة انتشار الفيروس ولكن أيضا الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها هذه الدول في التعاطي مع المشكلة.
وإلى حدود أقل من أسبوعين كان المغرب من بين البلدان القليلة التي لا تزال بمنأى عن فيروس كورونا. ولم يتم إعلان اكتشاف الحالة الأولى إلا في 2 مارس الجاري بعد الاشتباه في حالة مواطن مغربي وافد من إيطاليا. وقد أظهر اكتشاف الحالة الثانية أن أكبر خطر يتهدد المغرب فيما يخص انتشار الفيروس هو الرحلات الوافدة من الديار الإيطالية. فما هي الأخطاء التي ربما اقترفتها الحكومة في مواجهة وباء كورونا؟
1- تأخر قرار وقف الرحلات الجوية من وإلى إيطاليا. إذ لم تقدم الخطوط الملكية المغربية على اتخاذ هذا القرار إلا يوم الأحد الماضي وبشكل مؤقت بين المغرب وميلانو والبندقية. وترددت شركة الطيران المغربية طويلا قبل القيام بهذا الإجراء الذي تم تنفيذه في كثير من بلدان العالم تجاه البلدان الموبوءة كالصين وإيطاليا وإيران. كما أن هذا القرار تأخر كثيرا على الرغم من أن المواطن المغربي الذي مثل أول حالة للإصابة بالفيروس تنقل إلى المغرب جوا. واستمر إذا توافد المغاربة من إيطاليا عبر الطائرات رغم أن البلد يعيش منذ فبراير الماضي اجتياحا كبيرا للفيروس دفعت في النهاية الرئيس الإيطالي إلى اتخاذ قرار غير مسبوق بوضع إيطاليا كلها تحت الحجر الصحي.
2- التأخر في قرار منع التظاهرات التي تعرف تجمعات بشرية كبيرة. ومن طرائف هذا التأخر أن الحكومة حددت في بلاغ لها حجم هذه التجمعات التي سيتم منعها في تلك التي تعرف حضور أكثر من ألف شخص، دون أن توضح كيف سيتم التحقق من عدم انتقال العدوى عندما يتعلق الأمر بتجمعات فيها 900 أو 700 من الحاضرين. وبعد شهور من بداية انتشار الفيروس الصين وحوالي عشرة أيام على اكتشاف الحالة الأولى، تقرر الحكومة اليوم متأخرة منع تنظيم المواسم الدينية أيضا إلحاقا بباقي التظاهرات الأخرى الرياضية والثقافية والجماهيرية عموما.
3- التهوين من خطورة الفيروس واحتمالات تحوله إلى وباء. هذا ما استشفه الرأي العام من تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين عندما بدأت الحكومة حملاتها التواصلية المكثفة. كان من الواضح أن هناك ضعفا كبيرا على مستوى التواصل في هذا الموضوع، وبلغ الأمر إلى درجة حديث رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن فيروس كورونا باعتباره فيروسا عاديا جدا، ومن السهل مواجهته. كما أن تدخلات وزارة الصحة في بدايات الأزمة كانت مشوبة بالكثير من الارتباك والتناقضات وغياب المعلومة الدقيقة والصحيحة.
4- الإصرار على عدم تقديم العطلة المدرسية عن موعدها المقرر في نهاية شهر مارس. إذ لا يزال التلاميذ والتلميذات المغاربة يترددون على المدارس والثانويات بينما لجأت كثير من البلدان الأخرى احترازيا إلى اتخاذ قرار تعطيل الدراسة في انتظار اتضاح الرؤية بالنسبة لانتشار الفيروس، أو تأثره بدفء فصل الربيع في بدايات شهر أبريل. على الرغم من أن الكثير من الأصوات المتعقلة تطالب الحكومة باستمرار بالعمل على تعجيل موعد العطلة المدرسية إلا أن الحكومة لم تعلن أي قرار بهذا الخصوص، بل سبق أن كذبت الشائعات التي تحدثت عن هذا القرار، علما أن المؤسسات التعليمية لم تزود بمواد التنظيف التي سبق الإعلان عن تحضيرها في إطار إجراءات الوقاية من الفيروس.
5- تجاهل تجارب الحكومات الأخرى ومنها الحكومة الصينية التي يبدو أنها قطعت أشواطا كبيرة في محاصرة الفيروس بعد أن أعلنت أنه لم يعد هناك حالات عدوى خارج بؤرة الفيروس الأصلية في مدينة هوبي بإقليم ووهان. وبينما تتسابق مختلف الحكومات والدول من أجل اكتساب الخبرات اللازمة للاستعداد للحالة الوبائية يقدم المغرب نفسه بشكل كاريكاتوري على لسان وزير الصحة الذي أعلن قبل أيام قليلة أن هناك دولا أوربية من بينها أوكرانيا تبحث عن الاستفادة من تجربة المغرب في مكافحة الفيروس.