المواطنسلايدرنساء

الحجر المنزلي يرغم العاملات على دور “ربة البيت”

وباء كورونا يؤثر على الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للمرأة داخل المجتمعات وسط صعوبة التأقلم مع ظروف الحياة التي فرضها الحجر المنزلي.

وجدت معظم النساء أنفسهن عرضة للإجهاد والضغوط النفسية، بسبب التغير المفاجئ لأدوارهن الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمعات، وبين ليلة وضحاها أصبحن مجبرات على تحمل الكثير من الأعباء والمسؤوليات غير المتوقعة.

ورغم أن الكثير من النساء قد قطعنا أشواطا بعيدا عن الأدوار التقليدية في عدد من المجتمعات العربية بسبب مراكزهن المهنية، إلا أن فيروس كورنا المستجد، فرض عليهن عودة إجبارية إلى دور “ربة المنزل” وساوى بين العاملات وغير العاملات في المهام والواجبات المنزلية.

وفي ظل إغلاق المحلات العمومية والمطاعم والمدارس والجامعات وانعدام الحياة الاجتماعية خارج المنازل، أصبح لزاما عليهن بذل مجهودات مضاعفة يوميا للتغلب على المصاعب التي تواجهها أسرهن بسبب تفشي الوباء، وتحمل مسؤولية الطبخ والتنظيف والترفيه عن أطفالهن والمذاكرة لهم، والعناية بالمسنين، حتى وإن كانت الكثيرات منهن يعملن بدوام كامل داخل المنزل.

ردود فعل متباينة

لم يكن من المفاجئ، أن يثير الحجر المنزلي ردود فعل متباينة، خصوصا في صفوف النساء العاملات، اللواتي يشعرن بأنهن أصبحن يقمن بأدوار متناقضة تماما لتلك التي كن يقمن بها قبل تفشي الوباء، وفي المقابل فإنهن قد لا ينلن سوى تقييمات تنطوي على الكثير من الإجحاف بحقهن، سواء من أزواجهن أو أبنائهن، الذين لا يأخذون متاعبهن على محمل الجد.

ولم يرق هذا الوضع للتونسية إيمان الركاح (سائقة بوكالة أسفار) التي عبرت عن استيائها قائلة “المفارقة أن المرأة أصبحت تقوم بجميع الأعمال المنزلية مجبرة لا بطلة، حتى وإن كان زوجها يقضي يومه مثلها في المنزل”.

وأضافت الركاح “اعتقدنا أننا تقدمنا إلى الأمام ثم ما لبثنا أن عدنا خطوات شاسعة إلى الوراء، والمشكلة أن معظم الرجال يدعون دائما أنهم لا يجيدون القيام بالمسؤوليات المنزلية مثل إعداد الطعام والاعتناء بالأولاد، وترتيب المنزل، ولذلك قد أصبح مفروضا على المرأة أن تقوم بمفردها بكل شيء، ولكنني متأكدة أن ذلك ليس سوى عذر أقبح من ذنب، يستخدمه بعض الرجال للإلقاء بجميع الأعمال المنـزلية على كاهل المرأة بصورة غير عادلة”.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في تقرير لها “إن المرأة مسؤولة في مختلف المجتمعات عن معظم الأنشطة المنزلية وتربية الأطفال”، وهذه المجموعة من المسؤوليات الملقاة على عاتق النساء، قد تشمل أيضا مهام جمع المياه وتوفير الوقود في المناطق الريفية.

وترى التونسية حنان بوبكر (معلمة وأم لطفلين) أن قيام النساء بالأعمال المنزلية والإشراف على تربية الأبناء لا يعتبر أمرا مستجدا، لكن الظرف الراهن للحجر قد زاد في حجم المسؤوليات، بعد أن فقد دور ربة البيت أهميته مع خروج المرأة إلى العمل.

وقالت بوبكر “رغم أنّ العمل خارج المنزل مرهق نوعا ما، إلا أن التواجد في البيت طوال الوقت أيضا صعب جدا بسبب المهام التي لا تنتهي على مدار اليوم، من تنظيف وطبخ واعتناء بالزوج والأطفال الذين يلازمون أيضا البيت بسبب إغلاق المدارس والحضانات، يضاف إلى ذلك مسؤوليات المذاكرة لهم لتعويض ما فاتهم من دروس، وكذلك السعي الدؤوب إلى محاولة إحاطة الزوج بكل سبل الراحة وعدم تعكير مزاجه، خصوصا أنه يعمل من البيت، وهذا كله يزيد في حجم الضغوط على المرأة ويجعلها تشعر بالقلق والتوتر أكثر من أي وقت مضى”.

وأضافت “أصبحت أتمنى أن أعيش يوم عمل طبيعي حتى وإن كان يبدأ من السادسة ولا ينتهي إلا بعد التاسعة أو العاشرة ليلا، رغبة في كسر النسق اليومي الممل والترويح عن النفس والخروج من روتين البيت الذي لا يختلف عما نواجهه من تعب عندما كنا نعمل خارجها، فالحجر قد وضعنا في أقفاص، ولكن إلى أجل غير مسمى”.

وكشفت دراسة عالمية حديثة أن المرأة تعمل بمعدل 30 دقيقة يومياً أكثر من الرجل في الدول المتقدمة، ويصل هذا المعدل إلى 50 دقيقة في الدول النامية حسب الأمم المتحدة.

وذكرت الدراسة أن العبء الذي تتحمله النساء في المجالات غير مدفوعة الأجر كالعمل المنزلي والرعاية والأنشطة الخيرية يزيد على العبء الذي يتحمله الرجال في هذه المجالات، إذ إن فترة عمل النساء في هذه المجالات تبلغ في المتوسط 55 ساعة أسبوعيا مقابل 49 ساعة فقط للرجال.

ونظرا لطبيعة بعض المجتمعات والتقاليد الاجتماعية فإنه يصعب على معظم الرجال المشاركة في أعمال المنزل.

وبيّن استطلاع سابق للرأي أجري في الشرق الأوسط أن 74 في المئة من النساء يمضين أكثر من 12 ساعة يوميا في العناية بأسرهن، مسلطا بذلك الضوء على الأنشطة الأسرية التي تنفق فيها المرأة نصف عمرها، من دون أن تثمن أغلب تلك المجتمعات ذلك.

الأسرة أولا

ومن الواضح، أن الحجر الصحي قد غيّر وتيرة حياة النساء في مختلف مجتمعات العالم، إلا أن البعض من النساء اعتبرنه فرصة جيدة للتخلص من متاعب العمل، والتركيز على الواجبات الأسرية التي هي أهم من كل شيء بالنسبة إليهن.

وعلى عكس العديد من ربات البيوت اللاتي اشتكين من الأعباء المنزلية التي أرهقت كاهلهن والإحباط المادي والمعنوي الذي يعانينه في أوساطهن الأسرية، تصر التونسية منية اليعقوبي (موظفة) على أن ربة البيت لها مكانتها بين عائلتها ومجتمعها، مشددة على أن الفارق البسيط بين ربة البيت والعاملة هو أن المرأة التي كانت تعمل خارج المنزل لديها استقلالية مادية وباستطاعتها المساهمة في الإنفاق على أسرتها وتحسين ظروفها الاجتماعية.

وأضافت اليعقوبي أن “الآثار الإيجابية لا تقاس فقط بالتكاليف المالية، فرغم الرعب المسيطر علينا بسبب هذا الوباء والازمات المادية إلا أنه أتاح لنا الفرصة لقضاء وقت أطول مع أطفالنا وأزواجنا”.

وأوضحت “مما لا شك فيه أن الوضع الراهن قد يكون مخيفا وثقيلا وغير منصف بالنسبة للكثيرات، ولكن شاءت الأقدار أن نواجه هذا الظرف الحرج حتى نعيد ترتيب حياتنا الأسرية من جديد”.

ومن جانبها رحبت المصرية إيمي محمد (معدة برامج)، بالحجر الصحي قائلة “من الجميل أن نجلس مع أبنائنا وأزواجنا في المنزل، فقد كان هذا الأمر من سابع المستحيلات حتى وقت قريب، من النادر أن جمعتنا مائدة طعام، باستثناء شهر رمضان، وغالبا ما كنا لا نلتقي من شدة الانشغال في الخارج والانهماك المتواصل في العمل”.

وأضافت محمد “الآن أصبحنا جميعا وجها لوجه في البيت، ولكن من الطريف أننا لم نعد نحتمل هذا الوجود الدرامي المقيّد للحركة، والذي خلاله لا نفعل إلا الأشياء نفسها، فإما أننا ننتظر الطعام أو مشتبكون في مناوشات على أتفه الأسباب، كما أننا أصبحنا دائمي الجلوس أمام التلفزيون، ومن النادر أن اتفقنا على برنامج معين نشاهده جميعا”.

وختمت محمد بقولها “الخوف من الوباء هو أكثر ما يشغلنا ويعكر صفو حياتنا كما أن كثرة المصاريف اليومية بسبب الحجر قد ازدادت كثيرا، وهذا بدوره سبب لنا الكثير من الضغوط، ندعو الله أن يزيل هذه الغمة قريبا ويصبح بإمكان الجميع التحرك وفق إرادتهم وفعل ما يحلو لهم من دون إكراه أو غصب”.

تصاعد الضغوط

ويعتقد الخبراء أن الصورة النمطية لدور النساء تكاد تتشابه عبر العصور، لولا التكنولوجيات الحديثة وما أنتجته من وسائل وأدوات عصرية غيرت حياتهن وحررتهن بعض الشيء من عبء الأعمال المنزلية.

وقالت مروة بن عرفي المختصة التونسية في علم النفس السريري “الكثير من الرجال يتوقعون أن تقوم النساء بكل شيء، بدلاً من أن يساعدنهن ويحاولون تخفيف الحمل عليهن. لكن في بعض الأحيان يؤدي العمل الشاق إلى الوهن واستنفاد الطاقة وتصاعد الضغوط على المرأة إلى معدلاتٍ كبيرة، مما يسبب لها الإنهاك البدني والنفسي”.

وأضافت بن عرفي “من شأن الإفراط في القلق والضغوط التسبب في حدوث تأثيرات سلبية على الصحة العقلية. فعندما تضمر المرأة قدراً أكبر من اللازم من المشاعر السلبية داخلها؛ يمكن أن يتحول ذلك إلى مرضٍ نفسي وجسدي”.

واستدركت موضحة “لكن الأسوأ من ذلك أن طلب المساعدة لمواجهة المشكلات التي تصيب الصحة النفسية والعقلية، يُعتبر في معظم الأوساط مرفوضا من الناحية الاجتماعية، إذ يُتوقع دائما من المرأة أن تواجه مشكلاتها في هذا الشأن بنفسها دون مساعدة. لكن ذلك قد لا يُؤتي أُكُله، مما يقود إلى حدوث فورات غضب، ربما ينتج عنها الانخراط في أعمال عنفٍ، ومشاكل أسرية وقد يصل الامر إلى حد الطلاق”.

ونوّهت بن عرفي إلى ضرورة أن تضع المرأة برنامجا يوميا يتوافق وقدراتها، حتى  لا تشعر بالضغط، والأهم من هذا كله أن تتقبل فكرة أنها حرة خلال فترة الحجر الصحي، وأن وقتها هو ملكها الخاص، تقسّمه على المهام التي تقوم بها وفق ما تشاء، على عكس ما هو معتاد أثناء العمل، حينما كانت مضغوطة بسبب كثرة الالتزامات وضيق الوقت، وتشعر أنها عاجزة عن إيجاد حيز من الزمن للاعتناء بنفسها.

وحذرت بن عرفي النساء من البحث عن الكمال في كل شيء، والإحساس بالذنب بسبب الشعور بالتقصير تجاه الأسرة، أو التأنيب المفرط جراء المهام المنزلية والأسرية، حتى لا ينال منهن الإنهاك النفسي والبدني، مشددة على أهمية معالجة الأسباب الجذرية للإجهاد والضغوط النفسية عن طريق مد الزوج يد  المساعدة لزوجته في ما تقوم به من مهام ودعمها والإثناء على جهودها، من أجل التخفيف من الأعباء التي تسبب لها الإجهاد والضغط النفسي.

زر الذهاب إلى الأعلى