لمرابط: 80% من الأطقم الطبية التي تواجه “كورونا” نساء والخطاب الديني مغيب
الدار / خاص
كتبت الطبيبة والباحثة، أسماء لمرابط، الرئيسة السابقة لمركز الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الاسلام بالرابطة المحمدية للعلماءـ، مقالا تحدثت فيه عن بعض الدروس والعظات التي يمكن استخلاصها من جائحة فيروس “كورونا” المستجد المتفشي في مختلف بقاع العالم.
وفيما يلي نص المقال:
لا يسعني، حاليا، تقدير ما الممكن أن يتغير مستقبلا بعد الانتصار على الوباء، لكن يمكنني الجزم أن الإنسانية جميعها ستغير نظرتها نحو العالم ليبقى السؤال، هل سنتغير إلى الأحسن أو إلى الأسوأ؟ الجواب سيأتينا مستقبلا فالكلمة له، ومع ذلك أتمنى أن يكون التغيير للأحسن.
وبحسب قراءتي الحالية للوضع، أقول إن تدبير الشأن الصحي لهذه الأزمة الوبائية التي يمر منها بلدنا كان على مستوى عال جدا، حتى مقارنة مع الدول المتقدمة بما فيها الدول الأوروبية، وهذا التدبير الجيد كما ذكرت منحني “أملا” في المغرب بإمكانياته وطاقاته أن يتغير داخليا وبنفسه، لأن هذه الأزمة بينت لنا أن السلطات المغربية، لديها ما يكفي من الحنكة والقدرة على التفاعل في حالة الطوارئ، وهذا ما يتجلى، أساسا، في الوعي بأنه إذا أردنا تدبير أمورنا جميعها بأنفسنا أكيد نستطيع، وهذه هي النقطة الإيجابية الأولى، التي أتمنى أن نعمل بها مستقبلا في مغرب التغيير الذي نريده، وهي نظرة الأمل والتفاؤل، فحتى الآن، التدبير كان هائلا وجميع القطاعات قامت بما يجب، بما فيها السلطة العمومية والأمن والقطاع الصحي بنفسه.
أنا طبيبة، أساسا، بتجربة 20 سنة في القطاع العمومي، ومن جيل المدرسة العمومية والعمل في المستشفى العمومي الجامعي، وشهدت وقتها كيف تدهورت الأمور يوما عن يوما، إلى أن وصلنا إلى الحافة في السنوات الأخيرة، الأطقم الطبية والمهنية حقيقة كانت فاقدة للأمل في المؤسسة العمومية، خاصة مع خوصصة القطاع والنيوليبرالية، ولكن ما حدث أنه وخلال هذه الأزمة، وفي ظرف أسابيع جرى النهوض بالوسائل التي نتوفر عليها سواء أكانت مادية، أو بالتكافل والتضامن، وبالتالي، استطعنا التحكم في الأزمة بفضل العمل الجبار الذي تقوم به هذه الموارد البشرية من أطباء ومهنيين في القطاع الصحي، وهو ما يمكن أن أعتبره “ممتازا” بمعجزة نوعا ما، بالنسبة إلى الحالة التي وصل إليها القطاع العمومي قبل الجائحة، وهذا طبعا يحيلنا إلى أمل آخر، وهو أن يعطي مغرب ما بعد كورونا، الأمل والحيوية لهذا القطاع. هنا نعرف أهمية أولويات البلاد، وهذا ليس فقط، في المغرب، بل في دول العالم، مثلا أمريكا بنفسها كيف أن المؤسسات العمومية لديها فاشلة، غير أن المغرب وبمجهوداته المتواضعة بالنسبة إلى هذه الأزمة استطاع النجاح، وأنا أملي أن يعطي المغرب الأولوية إلى هذا القطاع، ويرد له الاعتبار الذي كان يحوزه في وقت سابق، أي في جيلي الذي أنجب أطباء أكفاء معروفين.
اليوم نلاحظ، أن غالبية العلماء والمهنيين والخبراء والأطباء المغاربة، موجدون في الخارج وعلى رأس أكبر المؤسسات الدولية التي تقوم بالبحث العلمي في التلقيح أو البحث الأدوية وغيره، وهذا تفسيره أن المغرب لم يكن في الوقت السابق يشجع البحث العلمي، ووسائل الاشتغال كانت محدودة أو غير متوفرة، لهذا ينبغي على المغرب أن يعيد تلك الكفاءات المغربية للاستفادة من خبراتها وأن ينتفع منها البلد، وقد تكون جائحة “كورونا” قارب نجاة لنحقق هذا الأمر وأمور أخرى.
مسألة ثالثة يجب أن نستحضرها، وهي أن نحو 80 في المائة من الطاقم، الذي يشتغل كممرضين وأطباء وعاملين وموظفين وعمال النظافة في هذه الظرفية، نساء، وهذا مهم جدا بالنسبة إليّ، وهذا ليس تمييزا بالكفاءة على أساس الجنس في هذا الميدان، ولكن أقول وأشدد على أن العبء ثقيل على النساء أكثر من الرجال، وذلك بسبب تراكم المسؤوليات وهذا ما نعيشه جميعا كطبيبات وممرضات يزاولن عملهن بإنهاك كبير، خاصة وأن لديهن مسؤوليات تدبير البيت والمدرسة والتربية، ثم العمل في هذه الظروف. الرجل عندما يدخل بيته يذهب مباشرة ليستلقي ويرتاح، ولكن المرأة لا ترتاح وهذا واقع معيش في المغرب. للأسف لا نعطيه الأولوية اللازمة وهو مصيري، فحتى لو كان رؤساء المصالح هم من الرجال إلا أن هذا الطاقم الذي يقف اليوم وراءه ما 80 يناهز في المائة من النساء، من عاملات النظافة اللائي تشتغلن كل يوم في تنظيف المستشفيات معرضات أنفسهن لخطر الإصابة، إلى الطبيبة والممرضة، لذلك يجب على مغرب ما بعد “كورونا” أن يعطي الأولوية الاجتماعية لتلك النساء اللواتي وضعن دائما في خانة “اللامرئيات” وينظر في ظروفهن الاجتماعية لأن العبء كله والمسؤولية كلها تكون على عاتقهن، ويجب رد الاعتبار لهن.
النقطة الرابعة بالنسبة إليّ مرتبطة بالحقل الديني، فبالرغم من أهميته إلا أننا نسجل فراغا كبيرا في الخطاب الديني خلال هذه الأزمة، نلاحظ اليوم أن الخطاب الديني لم يعد له وجود في هذه الأزمة، غير الدعاء طبعا، الذي يدخل في شق العبادات والمسائل التلقائية التي عادة ما يقوم بها الإنسان بشكل فردي بينه وبين خالقه. ففي مثل هذه الأزمة العالمية يفترض أن يخرج خطاب ديني يواكب الإنسانية ويحدث عنها ولها، وبكل صراحة الخطاب الديني في بلدنا يفتقد لهذا البعد الشمولي للكون وما يجري فيه، وخاصة إلى بعده الإنساني. فهذه الجائحة عمت العالم كله، ونحن لانزال منعزلين عن الآخرين في نظرتنا الدينية للعالم ولا يشمل مثلا دعاءنا إلا المسلمين كأنهم لوحدهم مصابون بهذا الداء أو يجب أن يحظوا لوحدهم بالنجاة؟ وهذه نقطة مهمة، فهذا البعد الإنساني الغائب في الخطاب الديني يجب أن يحضر، وخاصة في هذه الأزمة الإنسانية العالمية التي نعيشها اليوم. فهذا الوباء لم يميز بين مسلم ومسيحي أو يهودي أو بوذي أو لا ديني، لذلك وجب أن يكون ما حدث عبرة لتغيير خطابنا الديني، لكي نخرج من تديننا المتقوقع الهوياتي ولنساهم بخطاب روحاني يشمل الإنسانية جمعاء ويهتم بهموم وشدائد الناس كيفما كانوا، وحيثما وُجدوا. ولعل هذه الأزمة تكون فرصة لكي نغير ما بأنفسنا ونسترجع البعد الإنساني الحاضر في صلب رسالة الإسلام، حيث يخاطب القرآن الكريم الإنسان قبل كل شيء. أتمنى خلال هذه الفترة العسيرة أن يواكب خطابنا الديني الأزمة النفسية الصعبة التي يعيشها الناس ويعشيها العالم بأسره، قصد المساهمة في سكينة النفوس، وفي التضامن الإنساني العالمي وفي الوعي بأننا بشر على هذه الأرض، مصيرنا واحد، ولا مجال اليوم، إلى التفرقة بين بني آدم، وخاصة باسم الدين