الدين والحياةسلايدر

كورونا في المغرب….الرفْق بالمتعلمين من الولدان في زمن الحجْر والاِضْطرار

الدار/ خاص

في إطار مواكبة موقع “الدار” لمستجدات تفشي فيروس “كورونا” المستجد” كوفييد19″، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع،  يوصل موقع “الدار”، عبر صفحة “دين وحياة” نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد. وفيما يلي مقال للأستاذ   الباحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة بمراكش التابع للرابطة المحمدية للعلماء

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، وصلاة ربنا وسلامه على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد؛

فاستجابة لما يفرضه الوقت الراهن وتداعيه من المكث في البيوت ولزومها، والحرص على غالي الوقت وتلافيه، وذلك بصرفه وفق الوجه العائد بالنفع والرشاد على المسلم ومحيطه؛ فإنني أسعد ببسط بعض الإلمامات التربوية الهادية، التي تنفع الآباء والأولياء القائمين – تعهّداً ورعايةً – على أبنائهم وثمرات أفئدتهم، خاصة ما يتصل بقضية تلقين مبادئ العلوم المختلفة ومبادئها، فأقول وبالله تعالى أستعين:

بيان ذلك؛ لأن العلوم الإنسانية والفنون المجرّبة إنما تختزن في النفس البشـرية وتستبطنها حواسّها المُشْعِرة، بما أَوْدع الله سبحانه فيها من دواعي الإدراك والاستشعار، الصادرة عن الفكر المستدعي لها في تردُّداته بالتصوُّر للماهيات والحقائق بدْءا، ثم بإيجاد النِّسبة بينها عن طريق إثبات العوارض الذاتية لها أو دفعها عنها بعدُ، فلأجله روعي مبدأ التَّدرُّج في تلقين الولدان، وإيصال مبادئ العلوم  إليهم حالا بعد حال، مع مراعاة قوة عقل الولد أو التلميذ، واستعداده لقبول ما يُورَد عليه من المسائل بعد تقريبها له بالشـرح والتمثيل الحسـي على جهة الإجمال، قال ابن خلدون (ت‍ 808 ه‍): لأن المتعلم إذا حصَّل مَلَكَةً ما في علم من العلوم؛ استعدَّ بها لقبول ما بقي، وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق، حتى يستولي على غايات العلم، وإذا خُلِطَ عليه الأمر عجز عن الفهم، وأدركه الكَلال وانطمس فكره، ويئس من التحصيل، وهجر العلم والتعليم [كتاب العبر، الفصل السابع والثلاثون]، فرعْيُ هذا وسبيله مع خلوص النية فيه وصدق التوجه لرحمة الله سبحانه؛ كفيل بحصول المطلوب، والفوز بعائدة المرغوب، ثم على هذا الأساس جَرَتْ الحكماء في تأويل قوله تعالى: (وَلَكِن كونواْ رَبَّانِيّينَ بِما كُنتُمْ تَعْلَمونَ الْكِتابَ وَبِما كُنتُمْ تَدْرُسونَ) [آل عمران79/] خاصة وجه التشديد من لفظ (تَعْلَمونَ)، كما أَلمْعَ إليه العلاّمة مَكّي بن أبي طالب القيـسي (ت‍ 437ه‍)، إذ عنده أَن لَّيس كل من عَلِم شيئا معلِّماً، فالتشديد يدل على العلم والتعليم، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط، فالتعليم أبلغ وأمدح [الهداية إلى بلوغ النهاية 1058/2، الناشر جامعة الشارقة 1429 ه‍ – 2008 م‍]، ولنا في تراثنا العريق نماذج رائقة، تصور حال بعض المؤدِّبين لأبناء الأمراء والسلاطين مع الولدان المتعلمين، كما صَدَعَتْ به دواوين الأدب والمجالس …، مثل الذي جاء عن خلف الأحمر البصري (ت‍ 180 ه‍) لما قال: بعث إليَّ الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين فقال: يا أحمر إنَّ أمير المؤمنين قد دفع إليك مُهْجَة نفسه وثَمَرة قلْبه، فصيَّر يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئْه القرآن وعلِّمْه الأخبار ورَوِّه الأشعار وعلّمْه السنن، وبصِّرْه بمواقع الكلام وبَدْئِه وامْنعْه من الضحك إلا في أوقاته، … ولا تمرَّنَّ بك ساعةٌ إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه، فتميت ذهنه، ولا تُمْعنْ في مسامحته، فيستحْلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدّة والغلظة [جمهرة خطب العرب، أحمد زكي، 3/85].

فقد يُؤْخَذُ الآباء من جهة الإشفاق على الأبناء وتقديم الحذر والاحتراق، وذلك لمكان الولد من الوالد (حنوا ورأفة والتماسا لأزكى الحظوظ وأطيبها)، ولأجله كان الأبُ رَجُلَيْن، فمن ساهٍ لاهٍ مُفرّط غير عابئ بما يحتاجه الولد من شؤون التأدب والتعلم، فيتكاسل عنه ويتمادى في هجرانه وإهماله من هذا الجانب، وآخر مِنْ غَيْر شَكْله مهمومٌ أَرِقٌ مُحْترقٌ على مستقبل ولده ومتقلِّب حاله، إذ يسعى لحشد كل ما يُظنُّ فيه نوعُ تمنيع لعقل الولد وتحصينه، فيقع في مغبة الإضرار بالولد من حيث طمِعَ في الإشفاق عليه، وذلك لما ألقى عليه أخلاطا من المسائل قبل استعداد الولد لقبولها وفهمها، ونسي الوالد أَنَّ قبول العلم والاستعدادات للفهم إنما تنشأ تدريجا لا جملة واحدة، بل ربما كان ذلك سببا في التضييق على نفس الولد وانبساطه، فيحمله كل ذلك على الكذب والخديعة والتظاهر بغير ما في الضمير خوفا من العقاب، وعسى أن يصير له ذلك عادةً وخُلُقا، فتفسد عليه معاني الإنسانية (حمية ومرافعة) وينتكس عن اكتساب المعالي ثم يَرْكَنُ إلى الرِّضا بالسفاسف والدُّون من الأمور وما إلى ذلك (وَاللهُ يَهْدي مَن يَّشَاءُ إِلى صِراطٍ مُّسْتَقِيم) [البقرة213/ ]، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.  لى تمويلات إضافية.

زر الذهاب إلى الأعلى