بعض البشارات التي حدثت في رمضان من السيرة النبوية
الدار / خاص
نشرت البوابة الالكترونية للرابطة المحمدية للعلماء، مقالا للباحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للمؤسسة، حول بعض البشارات التي حدثت في رمضان من السيرة النبوية. وفيما يلي نص المقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في ظل هذه الظرفية التي نعيشها اليوم، ويعيشها العالم كافة بسبب جائحة كورونا، لابد أن نساهم في تعبئة المجتمع إيجابا، وإخراجه من الحالة السلبية، واستغلال هذه الظرفية، لتعود بالنفع على الأمة، وذلك بإيراد جملة من البشارات.
وإن من أعظم البشارات التي يفرح بها المسلم هو: حلول شهر رمضان المعظم، وهو موسم الطاعات وتزكية النفوس، والترقي في سلم الصالحين والمتقين، رغم أن رمضان حل علينا هذا العام في ظروف استثنائة، إلا أننا نتعايش مع الوضع، لإيماننا بقدر الله تعالى، والصبر على البلاء، ويقيننا أن لابد بعد العسر يسرا، وبعد الشدة رخاء، وبعد الظلمة نورا، وبعد الحزن بشرى.
ومن أعظم البشريات التي حدثت في هذه الأيام، هو: حلول هذا الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم، ونسأل الله تعالى أن يكون بشارة خير علينا وعلى البشرية جمعاء، إذ حدثت فيه مجموعة من البشارات في العهد النبوي، ومن أهمها: نزول الوحي على سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم توالت بعد ذلك بشارات أخرى في العهد النبوي الشريف، سأحاول أن أدون بعضا منها في هذا المقال، متكئا على مصادر السنة الشريفة والسيرة العطرة، مرتبها ترتيبا تاريخيا:
مولد الحسن رضي الله عنه:
في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة النبوية، ولد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته، وقد صحبه وحفظ عنه، روى الدولابي في كتابه الذرية الطاهرة النبوية: «ولد الحسن بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى: أبا محمد في النصف في شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة»[1]، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم: الحسن، وكناه: أبا محمد، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية، فعن علي رضي الله عنه قال: «لما ولد الحسن سميته: حرباً، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: حرباً. قال: بل هو حَسَن»[2].
فتح مكة المكرمة:
في عشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة النبوية، فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: عتاب بن أسيد، وقبل خروجه من المدينة استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها: أبا لبابة بن عبد المنذر، فقد روى البيهقي في الدلائل: «كان فتح مكة في عشر بقيت من شهر رمضان سنة ثمان»[3].
إسلام وفد ثقيف:
في شهر رمضان سنة تسع أسلم وفد ثقيف[4]، بعد أن قتل رجالها عروة بن مسعود رضي الله عنه، لما أتاهم يدعوهم إلى الإسلام، مخالفا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن قومهم قاتلوه، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة يا رسول الله: أنا أحب إليهم من أبكارهم، ويقال من أبصارهم، إلا أنهم كفروا عن ذلك بأن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فأسلموا وصاموا ما بقى عليهم من الشهر، روى ابن ماجه بسنده في سننه: «حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام ثقيف، قال: وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر»[5].
إسلام همدان:
في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة النبوية أسلمت قبيلة همدان كلها في يوم واحد[6]، فقد روى البيهقي في الدلائل: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأمره أن يقفل خالدا إلى رجل كان ممن يمم مع خالد، ومن أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، قال البراء: فكنت فيمن عقب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا لنا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمت همدان جمعا، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا، ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان»[7].
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
في شهر رمضان آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، بعد عداوة طويلة الأمد، فقد روى ابن حبان في الثقات: «أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاخي بين المهاجرين والأنصار في شهر رمضان، فدخل المسجد فجعل يقول: أين فلان بن فلان ؟ فلم يزل يعدهم و يبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال: إني أحدثكم بحديث فاحفظوه، وحدثوا من بعدكم: إن الله اصطفى من خلقه خلقا، ثم تلى هذه الآية: ﴿الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس﴾[8]، خلقا يدخلهم الجنة، وإني مصطف منكم من أحب أن أصطفيه، ومؤاخ بينكم كما آخا الله بيت الملائكة»[9].
وفي الختام أقول: إن الإنسان لابد أن يكون مبشرا لا منفرا، وأن يظهر الجانب الإيجابي في الحياة، على أمل حصول الخير في المستقبل، وهذا من شأنه أن يبقي الأمل في الحياة لدى الناس، فمنهم المريض والمعلول، خاصة أن هؤلاء تكون معنوياتهم ومناعاتهم ضعيفة، فنهلكهم من حيث لا ندري، عن طريق تيئيسهم وتثبيطهم، وذلك خلق من أخلاق إبليس لعنه الله تعالى.