الدين والحياةسلايدر

مدارات رمضانية يكتبها للدار منتصر حمادة

التلقي العربي لأعمال المستشرق وائل حلاق حول الدولة والإسلام والأخلاق (2/4)

منتصر حمادة

تروم هذه الدراسة التوقف عند بعض معالم التلقي النقدي العربي لأعمال المفكر وائل حلاق، وحلاق كما هو معلوم، مستشرق كندي من أصل فلسطيني، ولد في الناصرة في فلسطين عام 1955 من أسرة مسيحية، وتخرج في جامعة حيفا ثم انتقل إلى جامعة واشنطن للحصول على درجة الدكتوراه، ويعتبر من مؤرخي الفقه وأصوله في حقل الإسلاميات الأكاديمية في الغرب اليوم، حيث درس في جامعة ماكغيل في كندا بين عامي 1985 و2009، ثم انتقل إلى جامعة كولومبيا في نيويورك أستاذاً للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.

بعد أن توقفنا في المقالة السابقة عند السياق الزمني للتلقي العربي لأعمال وائل حلاق، نتوقف في هذه الحلقة عند السياق الإيديولوجي للسياق ذاته.

تتضح معالم السياق الإيديولوجي في تفاعل المتلقي أو قل الناقد العربي في معطيين اثنين على الأقل:

ــ يتعلق المعطى الأولى في مقارنة تفاعلنا الجمعي مع أعمال وائل حلاق الأخيرة، التي صدرت بعد أحداث “الربيع العربي”، أي ثلاثية “الدولة المستحيلة” و”قصور الاستشراق” و”إصلاح الحداثة”، مقارنة مع أعمال حلاق السابقة والتي صدرت قبل أحداث “الربيع العربي”، وخاصة الثلاثية التي تمت ترجمتها إلى العربية وصدرت عن دار المدار الإسلامي، أي ثلاثية: “تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام” و”السلطة المذهبية التقليد والتجديد في الفكر الإسلامي” و”نشأة الفقه الإسلامي وتطوره”. (يرى مدير دار الشبكة العربية للأبحاث والنشر أن وائل حلاق اشتغل “لعقود، في النقد الجذري للمدرسة الاستشراقية الكلاسيكية التي ترى أن الشريعة الإسلامية جامدة ومغلقة ولا مجال فيها للاجتهاد. واشتغل أيضاً في نقد المدرسة الفكرية العربية التي تحاول تحديث الشريعة لتكون متوافقة مع الحداثة”. أنظر: نواف القديمي عن “قصور” وائل حلاق: فضيحة تُعرّينا، موقع “المدن”، 27 نوفمبر 2018.)

ــ يتعلق المعطى الثاني بالتوقف عند أعمال حلاق التي صدرت بعد أحداث “الربيع العربي”، وعقد مقارنات حول طبيعة التفاعل معها.

فمع المعطى الأول مثلاً، ثمة شبه غياب تفاعلي، سواء كان التفاعل تعريفياً أو نقدياً، مع أعمال حلاق السابقة، مقارنة مع التفاعل الكبير مع أعماله اللاحقة، أي أعمال ما بعد “الربيع العربي”، بل لا مجال للمقارنة، رغم نوعية الأعمال السابقة، ومعها نوعية الأعمال اللاحقة بمقتضى العدة النظرية التي يتميز بها حلاق. (على هامش مائدة مستديرة نظمتها الوحدة العلمية لمجلة “الإحياء”، والتابعة لمؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء [مؤسسة دينية رسمية]، في موضوع: “ملاحظات حول النقد العربي للفكر الإستشراقي” لوائل حلاق، اعتبر الباحث محمد إقبال عروي، أن صاحب “قصور الاستشراق” “يتمتع بإحاطة معرفية جبارة بعلوم الشريعة وحضارة المسلمين”. أنظر: خالد رابح، تقرير حول ملتقى الإحياء السادس عشر: ملاحظات حول النقد العربي للفكر الإستشراقي، موقع “الرابطة، 1 فبراير 2020، على موقع الرابطة)

وبشهادة العديد من النقاد في المنطقة، وسبق لرضوان السيد أن صنّفَ وائل حلاق في خانة “الجيل الثالث من المستشرقين في القارة الأمريكية”، من المتخصصين في الدراسات الإسلامية، والتراث الإسلامي بشكل عام، من الذين تصدوا معرفياً للخطاب البحثي والسياسي والإعلامي المنخرط في اختزال صورة الإسلام والمسلمين، حيث جاءت الهجمة الأولى من خلال منعطف بحثي تاريخي، عنوانه “الاستشراق” لإدوارد سعيد، مع تسليط الضوء النقدي على لائحة من المستشرقين الغربيين، والأمريكيين على وجه الخصوص، يتقدمهم برنارد لويس؛ وجاءت الهجمة الثانية مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، حيث اختلط بوضوح لدى المراجعين الجدد والإعلاميين والاستراتيجيين الحديث الديني (طبيعة الإسلام والقرآن) بالحديث السياسي والإعلامي.

أما مع المعطى الثاني، فلا مجال للمقارنة بين تفاعل المتلقي/ الناقد العربي مع كتاب “الدولة المستحيلة” و”قصور الاستشراق”، حيث عاينا فورة في التفاعل مع الأول، مقابل تواضع جلي في التفاعل مع الثاني، في انتظار التفاعل الكبير والمتوقع مع الكتاب الثالث، أي “إصلاح الحداثة”، رغم أن “قصور الاستراق” مثلاً، جاء في سياق فورة الأعمال الاستشراقية الصادرة في المجال الثقافي الأمريكي، كما خلُصَ إلى ذلك رضوان السيد بمقتضى متابعاته للإصدارات الاستشراقية من جهة، واشتغاله منذ عقود على هذا الحقل، وخاصة الحقل الاستشراقي الألماني (دار المدار الإسلامي، بيروت، 2016)، حيث اعتبر في هذا السياق أن “النقاش الدائر في الولايات المتحدة في الأكاديميات بشأن الإسلام شديد الحيوية والدلالات، وقد بدأت القراءات النظرية تخرج من ظل إدوارد سعيد بالسلب أو بالإيجاب؛ لكن المسائل السياسية ما تزال تلعب دوراً مهما؛ وبخاصة بين الدارسين من أصول إسلامية، والآخرين من أصول يهودية. ولعله مما يشير إلى تعقيد المسألة وتركيبها كتاب “قصور الاستشراق”. فأبرز الظواهر الاستمرار في تفكيك خطاب “العلموية” الغربية، وتشكل الرؤية إلى القرآن والإسلام أحد جوانب الاهتمام لهذه الناحية؛ وهكذا فإن التحدي عام ولا يقتصر على مسألة الدراسات الإسلامية”. (رضوان السيد، الصراع على دراسات الإسلام في أمريكا، مرجع سابق، ص 399)

وواضح أن العدة النظرية لوائل حلاق تسمو على العدة النظرية لأغلب المرجعيات الإيديولوجية التي تفاعلت مع أعماله من منظور إيديولوجي، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، القراءة الأولية التي جاءت في موقع “الرشاد” تحت عنوان “مشروع وائل حلاق الفكري”، وتكاد تقترب من مقام القراءة الإيديولوجية، حيث اعتبر محررها أن استخدام وائل حلاق “الشريعة كنظام نقدي يختلف مع إدوارد سعيد الذي آثر استخدام الليبرالية في معاركه التي باءت بالفشل بفعل الآليات المتداخلة التي ينجم عنها تسلسل في الإشكالات”، ومن مؤشرات التفاعل النظري الإيديولوجي، الحكم على مقاربة إدوارد سعيد بالفشل، لولا أن صدور “الاستشراق”، جعل منه عملاً مرجعياً على الصعيد الكوني، من فرط الاحتفاء العالمي بهذا الكتاب المرجعي والمؤسسة لنقد الدراسات الاستشراقية. (من بين أهم الأعمال التي استعرضت الخطوط العريضة لنقاد كتاب إدوارد سعيد من الأسماء الغربية، نذكر العمل الجماعي الذي أشرف عليه وترجمه إلى العربية هاشم صالح، بعنوان “الاستشراق بين دعاته ومعارضيه”، متضمناً مساهمات الأسماء التالية: مكسيم رودنسون، آلان روسيون، برنارد لويس، فرانسيسكو غابرييلي، محمد أركون وكلود كاهين. أنظر: الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، برنارد لويس وآخرون، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، الطبعة الثالثة، 2016)

بل إن المفكر الأمريكي من أصل إيراني حميد دباشي، اعتبر إلى أن “ميزة الاستشراق وتألقه هي ما أضافه من زخم سياسي واضح على تلك الرؤى التي انطوى عليها كتابه، ملقياً الضوء الكثيف على مسألة تاريخية خاصة لها آثار عميقة على الخرائط السياسية العالمية”. (حميد دباشي، ما بعد الاستشراق: المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب، ترجمة: باسل عبد الله وطفه، مراجعة وتدقيق: حسام الدين محمد، منشورات المتوسط، إيطاليا، ط 1، 2015، ص 240، ص 136)

ولمعرفة بعض أسباب هذا التباين في التفاعل الإيديولوجي مع أعمال وائل حلاق، نتوقف عند بعض الملاحظات السابقة واللاحقة بخصوص التعامل مع ثلاثة كتب بالتحديد: “الدولة المستحيلة” و”قصور الاستشراق” و”إصلاح الحداثة”.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى