الدين والحياةسلايدر

“كورونا” في المغرب… هكذا يصوم الصائم شهر رمضان في زمن الوباء

الدار / خاص

في إطار مواكبة موقع “الدار” لمستجدات تفشي فيروس “كورونا” المستجد” كوفييد19″، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع،  يوصل موقع “الدار”، عبر صفحة “دين وحياة” نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد.

وفيما يلي مقال للأستاذ  محمد بن علي اليــولو الجزولي، أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحَمد لله رَبِّ العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّد الأوّلين والآخِرين، وعَلى آل بيْته الطَّيبين الطَّاهِرين، وَصَحْبه الغُرِّ المَيامِين، ومن سَار على نهجهم من العُلماء العاملين إلى يوم الدين.

وبعد؛

تعيش معظم بلدان العالم اليوم أزمة صحية خطيرة، تتمثل في تفشي فيروس كرونا على نطاق واسع، ولخطورته الكبيرة وتفشيه بشكل سريع، دخلت جل هذه الدول في حجر صحي منزلي للحد من انتشاره، ولم يكن المغرب بدوره في معزل عن هذا الإجراء الوقائي، حيث فرض على عموم المغاربة ملازمة البيوت.

 وقد توافق دخول شهر رمضان المبارك مع تفشي هذا الوباء مما سيؤثر جدريا على طريقة صيامه، وقيامه عند كثير من الصائمين والصائمات.

ولهذا فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح من طرف عامة الناس هو: كيف سيؤدي الصائم عبادة الصيام في زمن هذا الوباء، وفي ظروف هذا الحجر الصحي مع أسرته؟

وللإجابة على هذا التساؤل أقول وبالله التوفيق:

أن على المسلم أن يكيف دوما نفسه على الظروف التي تفرض عليه، وأن يحسن التعامل معها بشكل إيجابي ومنطقي، مما قد يجنبه الوقوع في مخاطر هو في غنى عنها، لهذا فعبادة الصيام في ظروف هذا الحجر الصحي ينبغي أن تتم وفق الآتي:

أولا: على الصائم أن يجدد نيته بمولاه سبحانه وتعالى، ويقوي يقينه به، وأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له، مع الاحتياط في الأخذ بالأسباب الشرعية، والالتزام بالإجراءات التنظيمية الصحية التي أعلنت عنها السلطات المختصة لحماية رعاياها.

ثانيا: على الصائم في نهار رمضان أن يلتزم بيته، ومخدعه ولا يخرج منه إلا للضرورة القصوى: من تبضع، أو تطبيب، أو شراء أدوية، أو قضاء أغراض إدارية…الخ.

ثالثا: على الصائم أن يتجنب في نهار رمضان زحمة الأسواق ما أمكنه ذلك حفاظا على نفسه، وأسرته، ومجتمعه من تفشي الوباء.

رابعا: على الصائم عمارة أوقاته في بيته بطاعة ربه، والإقبال عليه، واستغلال الأوقات بالذكر، وقراءة القرآن، والنظر في كتب العلماء، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة فقد كان يجد ويجتهد في هذا الشهر المبارك خاصة في العشر الأواخر منه، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»[1].

خامسا: الاجتماع مع أسرته على مدارسة القرآن، وحفظه، وتجويده، وتفسير بعض سوره، والمنافسة في ذلك من خلال رصد جوائز لأبنائه قصد تشجيعهم على حب القرآن، وذلك حتى يصدق فيهم قول الصادق المصدوق ﷺ: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل اللّه له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه، يتلون كتاب اللّه، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللّه فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه»[2].

سادسا: قراءة السيرة النبوية الشريفة مع أفراد الأسرة، واستنباط الدروس والعبر منها، وقراءة قصص الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، فشهر رمضان مناسبة عظيمة لإحياء سيرته ﷺ، وأخلاقه، وشمائله في قلوب أبنائنا؛ حيث لم يكن سلفنا الصالح بمعزل عن سيرته والعناية بها؛ بل جعلوها جل عنايتهم، وغاية اهتمامهم، فلقنوها أبناءهم، ونساءهم، ومواليهم، حتى كانوا يُحفِّظونَهُمْ مَغَازِيهُ كما يُحفِّظونهم السورة من القرآن، يقول زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما: «كنا نُعَلَّم مغازي رسول الله r كما نُعَلَّم السورة من القرآن» [3]، ويقول الإمام الزهري رحمه الله تعالى في علم السيرة «علم الدنيا والآخرة»[4]، وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول:«كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا، ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلا تعدموا ذكرها» [5].

سابعا: أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الأبناء داخل البيت جماعة، وتشجيعهم على تعلم أحكام الوضوء والصلاة.

فالصلاة لها مكانة عظيمة في الإسلام؛ إذ هي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، وهي عمود الدين؛ قال عليه الصلاة والسلام: «رأسُ الأمر الإسلام، وعَمُودُه الصلاة، وذِرْوةُ سَنامِه الجِهادُ»[6].

ثامنا: مواساة المحتاجين الأقربين من الجيران الذين انقطعوا عن العمل بسبب غلق المؤسسات المشغلة لهم أبوابها، وكلنا يعلم أن النبي ﷺ عَدَّ الإحسان إلى الجار شرط من شروط الإيمان، وشعبة من شعبه، وسبب من أسباب زيادته وصحّته فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره»[7]، وفي رواية: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره» [8]، وقال: «وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا»[9] ، وقال:«والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره – أو قال: لأخيه – ما يحب لنفسه»[10] ، وقوله: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه»[11]. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:  “ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه “[12]، وقال أيضا: «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»[13].

والأفضل من ذلك كله التكفل بأسرة واحدة وإمدادها بالمؤونة والغداء طيلة هذا الشهر الفضيل، مصداقا لقوله تعالى:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [14].

تاسعا: المساعدة في أعمال البيت مع الأهل، من خلال إعداد مائدة الإفطار، والسحور فإن النبي ﷺ  كان هذا نهجه وهديه في بيته، فعن الأسود، قال: سألت عائشة، ما كان النبي ﷺ يصنع في أهله؟ قالت: «كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة»[15]. وعنها أيضا رضي الله عنها أنها سئلت: ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: «كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم »[16].

عاشرا: القيام وأداء صلاة التراويح مع الأسرة في البيت، والتضرع برفع البلاء، مع تحري الوسطية والاعتدال في ذلك، لأن رجل جاء إلى رسول الله ﷺ يشكو فقال: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي ﷺ في موعظة أشد غضبا من يومئذ، فقال: «أيها الناس، إنكم منفرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة»[17].

الحادي عشر: تشجيع الأبناء على صيام بعض أيام رمضان وتقديم جوائز تشجيعية لهم، وايقاظهم لتناول وجبة السحور جماعة مع الوالدين، ومن تم مشاركتهم أداء صلاة الصبح جماعة فإن في ذلك خيرهم وصلاحهم، وكان عمر رضي الله عنه يوقظ أهله وأبنائه للصلاة آخر الليل، فعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يُصلِّي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة، الصلاة ثم يتلو هذه الآية: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾[18].

قال القاضي أبو الوليد الباجي رحمه الله: «إيقاظه أهله من آخر الليل، يريد بذلك أن يأخذوا من نافلة الليل بحظٍّ وإن قلَّ، فكان يجعل ذلك في أفضل أوقات الليل وهو السَّحَر»[19].

وقال الزرقاني المالكي رحمه الله: «وفيه أنه لم يشغَلْه أمورُ المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجُّد»[20].

هذا ما تيسر لي ذكره في هذا الموضوع ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل بقبول حسن، وأن يجزي كاتبه، ومصححه، وناشره، وقارئه.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى