إنعاش السياحة بالنمسا في ظل قيود “الجائحة”.. المعادلة الأكثر تعقيدا !
لم تفلح رسائل الأمل المنبعثة من مستشفيات العالم وقصص نجاح الطواقم الطبية في مواجهة جائحة “كوفيد-19” في إنعاش القطاع السياحي، بعد أن أ جبر الملايين على المكوث في بيوتهم بسبب إغلاق الحدود البرية والجوية وفرض الحجر الصحي.
في النمسا، وكسائر دول العالم، يرزح القطاع السياحي تحت وطأة القيود المفروضة لاحتواء الجائحة، بعد أن أوصدت وجهات ومعالم تستقطب الملايين كل سنة أبوابها، في انتظار انبعاث حركة الحياة.
وتعتبر السياحة من القطاعات الحيوية بالاقتصاد النمساوي ولها تأثير مهم ومباشر على سوق الشغل والتنمية الجهوية، حيث تشغل 5,8 في المائة من القوى العاملة بالبلاد.
في العام 2019 استقبلت البلاد 46 مليونا و18 ألف سائح، منهم 31 مليونا و87 ألف سائح أجنبي، معظمهم من ألمانيا وهولندا وبلجيكا، قضوا 152 مليونا و64 ألف ليلة مبيت بالمؤسسات السياحية والفندقية، وبمعدل 14,4 ليلة مبيت للسائح.
وخلال الموسم السياحي الشتوي 2019/2020 (بين نونبر وفبراير) زار البلاد، بحسب بيانات لهيئة الإحصاء النمساوية، 14 مليونا و500 ألف سائح قضوا 53 مليونا و200 ألف ليلة مبيت، س جلت 20 مليونا منها في فبراير الذي يعد ثاني أهم الفترات السياحية بالسنة بعد شهر غشت.
لكن هذه المؤشرات سرعان ما تهاوت إلى أدنى مستوياتها بعد فرض حالة الطوارئ الصحية وإغلاق الحدود البرية والجوية في منتصف مارس الماضي، حيث انخفضت ليالي المبيت خلال هذه الفترة ب58,9 في المائة، فيما تراجع عدد الوافدين ب 67,8 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وتعد العاصمة فيينا من أكثر الوجهات السياحية تأثرا بتداعيات الإغلاق، وسجلت منذ مارس الماضي تراجعا ب72,5 في المائة في عدد ليالي المبيت، وانخفاضا ب23 في المائة خلال الربع الأول من سنة 2020.
في هذا الصدد، قال مدير مكتب السياحة بفيينا نوربرت كيتنر، إن انتعاش القطاع سيعتمد بشكل كبير على إعادة فتح الحدود، خاصة وأن 83 في المائة من زوار المدينة في سنة 2019 كانوا من الأجانب.
وأكد المسؤول، في تصريحات صحفية، أنه “من الضروري تكثيف شبكة الرحلات الجوية المباشرة وإيجاد حلول ناجعة لشركات الطيران الوطنية، خاصة مع إلغاء التظاهرات الثقافية والفنية والرياضية التي تشكل دعامة رئيسية للسياحة الحضرية”.
بدورها سجلت ولاية تيرول، المحاذية لإيطاليا وأحد أهم وجهات الرياضات والسياحة الشتوية في أوروبا، تراجعا غير مسبوق في عدد السياح الوافدين، بعد أن استحوذت على 42,2 في المائة من مجموع ليالي المبيت السياحية بالبلاد خلال فبراير الماضي.
وتعول مقاولات القطاع على الموسم السياحي الصيفي لاستعادة جزء من المداخيل وتعويض الخسائر المسجلة في المبيعات، خاصة بعد إعلان الحكومة الفيدرالية فتح حدودها بشكل كامل مع ألمانيا في 15 يونيو المقبل.
ويشكل السياح الألمان 37,4 في المائة من زوار النمسا من الأجانب، يليهم الهولنديون ب6,8 في المائة، والسويسريون ب3,6 في المائة، فيما يمثل السياح المحليون 27 في المائة من زبائن القطاع.
وفي خطوة لدعم القطاع اقترحت الحكومة النمساوية إبرام اتفاقات ثنائية مع بعض الدول المجاورة التي تتحكم في الأزمة الوبائية بشكل جيد، ومن بينها ألمانيا وجمهورية التشيك وكرواتيا، كما دعت النمساويين إلى قضاء العطلة الصيفية بالوجهات المحلية.
وحددت الحكومة أجندة خاصة لاستئناف النشاط السياحي تدريجيا، تبدأ بإعادة فتح المطاعم والمقاهي والملاهي اعتبارا من اليوم الجمعة، على أن تستأنف دور الاستقبال والمرافق الترفيهية والمواقع السياحية عملها في 29 ماي الجاري.
ورغم تخفيف قيود العزل إلى حد كبير في غالبية القطاعات الاقتصادية ومناحي الحياة العامة، إلا أن الحكومة لم تحدد بعد تاريخ استئناف الرحلات الجوية الدولية، كما تواصل فرض تدابير مراقبة مشددة على حدودها البرية حتى نهاية الشهر الحالي.
وكشف تقرير لمعهد إنسبروك لإدارة العلامات التجارية، أن قرار فتح الحدود مع ألمانيا سينعش آمال القطاع السياحي بشكل كبير، بالرغم من تواتر توقعات استمرار الأزمة حتى صيف العام المقبل.
وأبرز المعهد أن التحدي يكمن في مدى ملاءمة التدابير المتخذة لاحتواء الفيروس للقطاع السياحي بصرف النظر عن مدة الأزمة، رغم أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أزمة على المديين المتوسط والطويل مع “تدابير احترازية معتدلة”.
في سياق متصل، أبرز تقرير لقسم الابتكار وتدبير السياحة بجامعة العلوم التطبيقية بسالزبورغ، أن السياحة العالمية تعيش حالة من عدم اليقين في ظل التطورات المتسارعة للوباء، ومحاولة التكيف مع الطوارئ الصحية والاقتصادية والاجتماعية في الآن نفسه.
واعتبرت مديرة القسم إيفا بروكر، في تصريحات للقناة النمساوية الأولى، أن أية توقعات حول انتعاش القطاع أو انتكاسته قد تكون غير ذات جدوى على المدى القصير أو المتوسط، مع التوقعات القاتمة لنمو الاقتصاد العالمي واقتصادات منطقة اليورو.
وأضافت أن الحكومة مدعوة إلى توفير مصادر دخل بديلة لتعويض مداخيل القطاع وتفادي سيناريو “الانهيار” بعيدا عن الدعم المالي الظرفي، خاصة مع استمرار تقييد السفر والتنقل بين الدول.
وكانت الحكومة النمساوية قد أعلنت، الأسبوع المنصرم، عن حزمة تدابير لدعم قطاع المطاعم أحد ركائز القطاع السياحي، على شكل تخفيضات ضريبية بقيمة نصف مليار أورو ومثلها لتغطية جزء من الخسائر المسجلة خلال فترة الإغلاق، إضافة إلى خفض ضرائب المبيعات من 20 إلى 10 في المائة من بين تدابير أخرى.
وتعد النمسا من أوائل الدول الأوروبية التي بدأت تخفيف تدابير العزل، بعد تحكمها بشكل جيد في الأزمة الوبائية، وتراجع معدل الإصابات اليومية من 40 في المائة في نهاية مارس الماضي إلى أقل من 0,3 في المائة حاليا، مع ارتفاع كبير في حالات الشفاء قياسا بإجمالي الإصابات.