الرأيسلايدر

مؤسسة الأمن الوطني ترفع المزيد من التحديات في ذكرى تأسيسها

الدار / افتتاحية

في ذكرى تأسيسها الرابعة والستين تعيش مصالح الأمن الوطني على إيقاع التحديات التي اعتادت طوال عقود أن ترفعها بكل إخلاص وتفاني لينعم الوطن والمواطن بالسلم والأمن والأمان. أربع وستون عاما من العطاء المتجدد الذي بدأته هذه المؤسسة العتيدة بتجسيد سيادة المغرب بعد استقلاله من الاستعمار الفرنسي لتضمن للمغرب استثناءه التاريخي الذي جسدته حالة الاستقرار الراسخ الذي يعد عملته الرائجة إقليميا ودوليا. في 16 ماي 1956 بدأت مسيرة هذه المؤسسة الوطنية التي عاصرت الكثير من أخفاقات ونجاحات المغرب المستقل، ودبرت أزمات عديدة أخرجت المغرب في كثير من المرات من عنق الزجاجة مثلما تجاهد اليوم لإنجاح تحدي حالة الطوارئ الصحية واحترام تدابير الحجر الصحي.

تحل إذا ذكرى تأسيس الأمن الوطني في ظروف استثنائية ألقيت فيها على عاتقها الكثير من المهام والمسؤوليات الجسام التي تنضاف إلى مهامها الروتينية. فمنذ إعلان حالة الطوارئ الصحية كان رجال ونساء الأمن الوطني في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة فيروس كورونا، يسهرون على تطبيق القانون واحترام مقتضياته، ويحرصون سلامة المواطنين المغاربة، الذين يجلسون آمنين في بيوتهم ملتزمين بالحجر الصحي العام. ويبدو الأداء المتميز الذي يقدمه رجال الأمن في سياق هذه الأزمة الصحية الاستثنائية نتيجة لتراكم مهني واحترافي على مدى السنوات الأخيرة. فقد عرفت مؤسسة الأمن الوطني منذ بضع سنوات ديناميكية تأهيل وتطوير غير مسبوقة، عززت من قدراتها وفعالية عملياتها في مكافحة الجريمة بكافة أشكالها وأنواعها.

ولا أدل على هذا الأداء المتميز نجاحها المطلق في محاصرة الظاهرة الإرهابية منذ أن عصفت رياح التطرف بأمن البيضاويين في 16 ماي 2003. هذا التزامن الخبيث بين ذكرى تأسيس الأمن الوطني وبين الحدث الإرهابي الغاشم، أراده الإرهابيون نكاية في المؤسسة الأمنية لكنه تحول بمر السنين إلى مناسبة للاحتفال بنجاحاتها في مواجهة الظاهرة الإرهابية وتقويض أسسها ومقوماتها. لقد منح التحدي الإرهابي لمؤسسة الأمن الوطني محكا حقيقيا مكنها من تأهيل مواردها البشرية والإدارية والتشريعية لتكون في مستوى التحديات الأمنية للألفية الثالثة. وها هي ذي اليوم تبرز كفاءاتها في مجالات الجريمة الجديدة في العالم الافتراضي وفي تتبع الجرائم العابرة للقارات، وتعطي النموذج في تقصي مخططات الإجرام وتتبع مرتكبيه.

لكن أبرز عنوان من عناوين الإصلاح والتأهيل الذي عرفته المؤسسة الأمنية في السنوات القليلة الماضية هو هذا التشبع العميق بمبادئ حقوق الإنسان واحترام المساطر القانونية والقضائية. وإذا كان بعض المؤرخين والحقوقيين قد لخصوا الانتهاكات التي كان يعرفها المغرب في الماضي تحت عنوان سنوات الرصاص، فإن ما تعيشه المؤسسة الأمنية اليوم من مسايرة دقيقة لتحولات المغرب الديمقراطي والتعددي وضعته على السكة الحقيقية لسنوات الإنصاف والمصالحة، إذ أنها لا يمكن أن تلخص فقط في تقارير ولجان عابرة، وإنما في هذا السلوك الأمني المحترم لمبادئ دولة الحق والقانون، مثلما تجسده إدارة الأمن في وقتنا الراهن. لا ننسى كيف فرضت إدارة الأمن الوطني الصرامة التأديبية في حق كل من خالف هذه المبادئ، وكيف جعلت من اختبارات ولوج وظائف الأمن مثالا للنزاهة والاستحقاق.

لقد نجحت المؤسسة الأمنية بفضل هذا التأهيل وتلك المبادئ التي رسختها في نسج علاقة إنسانية عميقة مع المجتمع المغربي، واستطاعت بفضل ما حققته من اختراقات لعوالم الجريمة المنظمة وتقفي لآثارها في العالم الواقعي والافتراضي أن تنتزع احترام المواطن الذي يرفع القبعة لرجال الأمن الشرفاء الساهرين اليوم على أمنه وأمانه في السدود الأمنية وملتقيات الطرق والدوائر الأمنية يحصون كل شاردة وواردة حفاظا على رأس المال اللامادي الذي اغتنت به بلادنا ألا وهو الاستقرار والأمن.

زر الذهاب إلى الأعلى