“كورونا” في المغرب….رمضان والتكافل الاجتماعي في زمن الأوبئة
الدار/ خاص
في إطار مواكبة موقع “الدار” لمستجدات تفشي فيروس “كورونا” المستجد” كوفييد19″، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع، يوصل موقع “الدار”، عبر صفحة “دين وحياة” نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد، و مقاربة الشرع الحنيف للمحن والأوبئة و مختلف أشكال البلاء.
هذه الحلقة مع مقال للدكتورة خديجة أبوري، باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛
فإن شهر رمضان شهر التكافل والإيثار والتعاون والتضامن الاجتماعي، وقد حث ربنا سبحانه وتعالى على ذلك في العديد من آياته، حيث يقول تعالى : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ ([1])، وقال ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([2])، ومدح الذين ينفقون أموالهم في السراء والضراء فوصفهم بالمتقين والمحسنين، فقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ([3])، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة التلاحم والترابط الذي ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية، وشبهها بالجسد الواحد إذا أصاب المرض منه عضواً واحداً، أصاب جميعه القلق والسهر وعدم الهدوء والراحة التي كان ينعم بها حينما كان صحيحاً، قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”([4])، وقال: ” ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له…. “([5])، وأثنى على من يسعى في قضاء مصالح المسلمين، فقال : “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”([6]).
إن الاهتمام بالفقراء والمحتاجين في هذا الشهر الفضيل، ومساعدتهم مادياً ومعنوياً، وتلبية بعض متطلباتهم، وتحقيق بعض حوائجهم، من أفضل الأعمال، وأنبل الصفات التي يجب القيام بها، وتظهر أهمية ذلك عند الأزمات، خاصة ونحن نعيش اليوم هذه الظرفية الصعبة من جراء انتشار وباء كرونا المستجد، وما خلفه من آثار اقتصادية على البشرية جمعاء بمختلف طبقاتهم؛ لا سيما الفقراء منهم، وأصحاب الأعمال البسيطة وغير الدائمة، الذين توقف مصدر دخلهم بسبب هذه الجائحة، وما فرضته من التدابير الاحترازية؛ ولأجل ذلك تم إحداث بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس-حفظه الله-صندوقا خاصا لتدبير ومواجهة وباء فيروس كرونا، والذي كان فيه سباقا إلى المساهمة فيه، كما ظهرت مجموعة من المبادرات الفردية الحسنة للمساعدة في تجاوز هذه الأزمة منها: تقديم أماكن سكن للطاقم الطبي لإبعاد خطر المرض عن عائلاتهم، وتوفير أماكن الحجر الصحي بالنسبة للمخالطين لمرضى فيروس كرونا، إضافة إلى المبادرات التي تعتمد على تقديم مساعدات مالية وغذائية عينية، فهذا هو الوقت الذي ينبغي للمسلم أن يشمر عن ساعد الجد للتضامن مع أخيه المسلم، خصوصا ونحن في هذا الشهر المبارك الذي تزداد فيه الحسنات. وترفع فيه الدرجات، عند رب العالمين.
إن حديثنا اليوم عن التضامن والتكافل ونحن في مثل هذه الظرفية الصعبة أصبح واجبا إنسانيا، لأن كل فرد يجب أن يساهم على قدر استطاعته، والله عز وجل يدعونا إلى الإنفاق في السراء والضراء، وأوقات البلاء هي أفضل وقت للتضامن والإنفاق، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة، حيث أن سيرته مليئة بالنماذج الكثيرة، التي تجلى فيها هذا النوع من التضامن، وسنكتفي بإيراد ثلاثة منها للتذكير ؛ من ذلك: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من قيامه بالخطابة في أصحابه، وحثهم على الصدقة على إخوانهم، وإن كانت الصدقة صغيرة قليلة، فقال: “اتقوا النار ولو بشق تمرة”([7])، وما قام به النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة من مساعدة أهل مكة رغم العداء، عندما علم أن مكة أصابها قحط ومجاعة، فأرسل إليها قدرا من المال لمساعدة أهلها([8])، فهذا المثال يؤكد قمة التضامن في أوقات المحن والشدائد، وما قام به الأنصار مع المهاجرين.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى فقال لعبد الرحمن أقاسمك مالي نصفين وأزوجك. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك “ ([9]) ، وقد صور ذلك القرآن في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ([10]).
هذا ما تيسر لي ذكره في هذا الموضوع باختصار، وأسأله تعالى أن يرفع عنا هذه الجائحة في هذا البلد وسائر بلاد المسلمين والعالم بأسره ، إنه تعالى سميع مجيب .
والحمد لله رب العالمين.