الرأيسلايدر

نحن و منصف السلاوي … بين الزهو و الدلالات العميقة 

بقلم : يونس التايب

خلف ظهور الدكتور منصف السلاوي في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، صحبة الرئيس دونالد ترامب و كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية المعنيين بتدبير ملف جائحة فيروس كورونا، ردود أفعال قوية وحضي بمتابعة واسعة للإعلام الدولي.

وطنيا تسابق المتفاعلون للتعبير عن افتخارهم ب “ولد البلاد” الذي صفق له الرئيس ترامب، و وضع على عاتقه مسؤولية تخليص البشرية من فيروس كورونا، من خلال لقاح ينهي الموضوع من الأصل. فيما تجاوز البعض الآخر الإحساس بالافتخار إلى الشعور بالحسرة من رؤية كفاءة عالمية تحظى بكل هذه العناية في “بلاد الناس” و لا تجد من ينصت إليها في الوطن، كما هو حال مئات النماذج المماثلة التي غادرت إلى عوالم أخرى، بعد أن تأكدت من صحة المثل الذي يقول أن مطرب الحي لا يطرب.

وهنالك فريق آخر من المتفاعلين، و غالبيتهم من الطائفة التي لا شيء يعجب أصحابها على هذه الأرض، اعتقدوا أن ظهور الدكتور السلاوي كان بصفته مواطنا أمريكيا، وبالتالي هو الآن يشتغل مع “بلده” الحالي وليس مع بلده الأصلي، و لا داعي، بالتالي، للإكثار من الحديث المزهو و المنتشي بحكاية “المغربي الذي تفوق عالميا”.

 صراحة، و أنا أقرأ كل ما كتب عن الموضوع، ألزمت نفسي بالتروي و آثرت أن لا أكتب شيئا حتى ينصرف الناس نحو موضوع آخر ويقل صخب الجدال، و يصير ممكنا أن نتحدث بلغة أقرب إلى العقل والموضوعية. وعليه، أتى اليوم هذا المقال، و في بداية الحديث تعبير مني عن صادق متمنياتي للسيد منصف السلاوي بالنجاح في مهامه الجديدة. لا شك أن ما حصل يعتبر تقديرا كبيرا له، و تتويجا جديدا لمسار دراسي و مهني حافل بالعطاء والكفاءة والجدية، انطلق من مدينة أكادير حيث أخذ شهادة الباكلوريا، ليستمر بعد ذلك في عدة جامعات وكليات ومعاهد يدرس بها، و يبحث في مختبراتها، ويطور ذاته علميا و معرفيا.

و أعتقد أن أهم ما يجب الانتباه إليه و استحضاره، هو كم الإرادة التي حملها ابن أكادير، وكيف لم توقفه العوائق و لا خشي اقتحام الثقافات المجتمعية المغايرة، و أقدم على رفع التحديات تلو التحديات و تفوق فيها، وحافظ بموازاة ذلك على تامغربيت التي تربى عليها.
كما يجب الانتباه أيضا إلى أنه لم يحدث أن تنكر الرجل لوطنه، بل ظل محافظا على ارتباطاته العائلية و الاجتماعية هنا، وشوهد في لقاءات علمية محاضرا ومتواصلا و فاتحا يديه في وجه من يريد. و الدلائل متعددة تبين أن الدكتور السلاوي بحث بطرق مختلفة عن سبل ليعين بلاده و ينفعها. وليست مسؤوليته بتاتا أن ذلك لم يحصل في السابق، بل هي مسؤولية من كان مفروضا فيهم أن يفتحوا الأبواب لا أن يغلقوها، كما فعلوا و يفعلون مع طاقات وكفاءات كثيرة من أبناء المغرب، تعشق بلادها وتريد المساهمة في رقيها و لا يجدون إلى ذلك سبيلا.

ويبقى لدي أمل كبير، بل هو يقين كبير، بأن الدكتور منصف السلاوي، من موقعه الجديد و خاصة بعد أن ينجح في مهامه الجديدة، لن يتردد في الترافع، على كل الواجهات، من أجل الدفاع عما يتقاطع مع المصالح الاستراتيجية لوطنه الأم المغرب، وما يمكن أن يفيد و يعزز المجهودات التي تبذلها الدولة المغربية، بقيادة جلالة الملك، من أجل التحديث والعصرنة والتأهيل الشامل في مجالات عديدة. الدكتور السلاوي سيفعل ذلك لسبب بسيط هو أنه يحب بلده، و لم ينقطع ذلك الحب، بأي شكل من الأشكال، رغم مرارة وقع الأبواب الموصدة.

الآن، و نحن نشاهد تلك الصور الجميلة من الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، ما يجب أن نركز عليه هو ما يلي :

– أولا، أن نفرح من قلوبنا للدكتور منصف السلاوي، لأن الثقة التي حضي بها ليست سهلة و لا هي في متناول أي كان، وهي أكيد تسعده كإنسان، و تسعد أسرته ومحبيه في المقام الأول.

– ثانيا، أن نفتخر أنه مغربي الدم و المنشأ، و أنه برز إشعاعه في العالم، وأن لا تحرجنا مسألة “جنسيته الأمريكية”، لأنه حصل عليها بطرق مشرفة وعن استحقاق بمقتضى القانون الذي يتيحها لكل مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إقامة لبضع سنوات. كما أن الدكتور السلاوي ليس مسؤولا عموميا عندنا، يمكن أن نخشى من تعارض جنسيته الثانية، المكتسبة قانونيا، مع متطلبات مهامه والتزاماته تجاه جنسيته الأولى الأصلية.

– ثالثا، أن نتمنى للدكتور منصف التوفيق في أبحاثه، هو و فريقه، كي تتوفر الإنسانية على لقاح يعين في رفع هذه الجائحة، لنستأنف حياتنا بعيدا عن الحجر الصحي وعن التضييق الذي تفرضه الإجراءات الاحترازية الوقائية الواجبة و التي لا بد من احترامها إلى حين.

– رابعا، أن ننتبه إلى ما علينا فعله، حكومة و مجتمعا، ليتوقف نزيف هجرة الكفاءات و الطاقات الوطنية إلى عوالم أخرى، و أن نخصص الإمكانيات المادية اللازمة لنستثمر في البحث العلمي المختبري، و في فضاءات الاشتغال اللائقة، و نخلق مساحات الإبداع اللازمة للعقول المتميزة. و الأهم أن نحاصر نهائيا العقليات المقيتة التي تحمل عقدة كره “الكفاءة” و التضييق على “التميز”، وتسيء تدبير الموارد البشرية الوطنية التي تنتجها هذه الأرض على عدة مستويات.

كل كلام في غير هذا الاتجاه، هو في اعتقادي مضيعة للطاقة في غير محلها، و هو ابتعاد عن حدود الزهو المشروع و عن فهم ما في الخبر من دلالات موضوعية عميقة.

زر الذهاب إلى الأعلى