أخبار الدارسلايدر

هل تتدخل هيئات المحامين ..في قضية سليمان الريسوني؟

طالب العديد من رواد منصات التواصل الاجتماعي والمهتمين بالشأن القانوني من نقابات وهيئات المحامين بالمغرب التدخل، مرة أخرى، لتأطير الخرجات الإعلامية المتواترة التي يقوم بها أصحاب البذلة السوداء في قضية سليمان الريسوني، المتابع من أجل جريمتي هتك العرض باستعمال العنف والاحتجاز طبقا للفصول 436 و485 من مجموعة القانون الجنائي.

وقد أبدى العديد من هؤلاء النشطاء امتعاضهم من التصريحات الصحفية التي أطلقها محامون ينوبون في هذا  الملف، أو لهم علاقة بالمتهم دون تكليف منه بالنيابة، وهي التصريحات التي اعتبروها تمس “بمهنة النبلاء” وتسيء لحقوق وحريات باقي أطراف القضية، كما أنها قد تشكل وسيلة من وسائل التأثير على القضاء من خارج ردهات المحاكم، والتي يمنعها القانون وتحظرها الأعراف والتقاليد المهنية التي تقنن مهنة الدفاع.

..الاطلاع والتمعن في المحضر أولا

منشأ هذا الحديث، يعود لصباح يوم أمس الاثنين، إذ مباشرة بعد تقديم سليمان الريسوني أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، خرج بعض المحامون يتحدثون عن حيثيات في الملف، وجزئيات دقيقة تتعلق بتصريحات وإفادات الأطراف، مع أنهم لم يكونوا قد حصلوا بعد على محاضر الضابطة القضائية، أو بالكاد حصلوا على نسخة أولية منها من طرف قاضي التحقيق، وهو الحيز الزمني القصير والمحدود جدا الذي لا يسعفهم في تكوين قناعة وافية وشاملة حول هذا الملف!.

فالتسجيلات والمحتويات الرقمية التي شغلت النقاش العمومي يوم أمس كان (أبطالها) محامون، أسوة بكل قضية جنائية تستأثر باهتمام الرأي العام، إذ تحدث أحد المحامين عن ” إنكار المتهم وعدم معرفته بالطرف الشاكي، وأن لا وجود لدليل مادي في القضية”، وآخر ادعى “عدم وجود شكاية وأن النيابة العامة هي من حركت الملف”، وآخر استنجد بقاموس الغيبيات بدل القانون الوضعي وقال أن المتهم يتوسم فيكم “الدعاء له”، وقبلهم كان المحامي عبد المولى الماروري قد تساءل عن السبب في “قبول الشكاية”، في خلط واضح بين الشكاية كسبب لفتح الأبحاث التمهيدية، والتي لا تخضع لشكليات محددة، وبين مقال الدعوى الذي يستلزم شكليات دقيقة تحت طائلة عدم القبول.

وقد استغرب العديد من المهتمين بالشأن القانوني بالمغرب، كيف لمحامين أن يطلقوا مثل هذه التصريحات الإعلامية والقضية كانت لا تزال في جلسة الاستنطاق الأولي عند قاضي التحقيق، التي تقتصر فقط على التحقق من هوية المتهم واطلاعه على حقوقه التي يكفلها القانون، وذلك طبقا للمادة 134من قانون المسطرة الجنائية؟ كما تساءل العديد من المحامين ورجال القانون كيف يمكن الجزم ب”انتفاء وسائل الإثبات في هذا الملف” والمحامي المؤازر قد تسلم لتوّه أو يكاد نسخة من مشتملات المحضرالمتعددة ؟

وقد عبّر بعض رجال البذلة السوداء، ممن اتصل بهم الموقع، عن تحفظهم الشديد إزاء هذه التصريحات الإعلامية، التي أوضحوا أنها ” لا تخدم مصالح المتهم بقدر ما تزيد من الضغط عليه”، مطالبين بالتريث وانتظار دراسة المحاضر والتمعن في وثائق القضية، حتى يتسنى فهم الملف جيدا، وتقييم وسائل الإثبات، وافتحاص الإجراءات والشكليات القانونية المتخذة، أما ما دون ذلك، فيؤكد هؤلاء المحامين، فهو مجرد “تكهنات واستباق لمجريات التحقيق، لا يخدم مصالح أي طرف في القضية، بقدر إمكانية إساءته لصورة المحامي المفروض فيه المرافعة في الجلسات وليس في أي مكان آخر”.

وشدّد أنصار هذا الطرح، على أن المحامي يتمتع بكامل حقوقه الدستورية في التعبير وإبداء الرأي في القضايا والنقاشات العمومية، كما أن القانون المنظم لمهنة المحاماة يمنحه في المادة 30صلاحية الدفاع عن موكله في المحاكم وأمام جميع الإدارات والمؤسسات العمومية واللجان التأديبية، لكن الحديث لوسائل الإعلام وفي منصات التواصل الاجتماعي في قضية رائجة أمام المحاكم فيبقى خاضعا لواجب التحفظ واحترام حقوق الأغيار، وتبقى هيئات المحامين ملزمة بالتدخل لتأطير هذه الخرجات والسهر على احترامها للأعراف والتقاليد المهنية.

موقف الضحية..تصور آخر للدفاع

في مقابل التصريحات المتواترة والمتناسلة لهيئة دفاع المتهم سليمان الريسوني، والتي شغلت الرأي العام، لاحظ المتتبعون لهذا الملف عدم إدلاء دفاع الضحية المعروف بلقب “محمد آدم” بأي تصريح إعلامي أو نشر أي محتوى رقمي حول تفاصيل أو ملابسات هذه القضية.

وقد اتصل “الموقع” بالضحية المفترض في هذا الملف، لمعرفة وجهة نظره حول التطورات القضائية التي عرفتها القضية، خاصة فيما يتعلق بقرار إيداع المتهم بالسجن ومتابعته من أجل جناية هتك العرض بالعنف والاحتجاز، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح إعلامي،  مكتفيا بالقول” إنني أحترم قرار هيئة دفاعي القاضي بعدم الرد على أية تصريحات إلى غاية عرض وسائل الإثبات والقضية أمام القضاء”.

كما لاحظ “الموقع” بأن الضحية المفترض في هذا الملف أحجم مؤخرا عن نشر تدوينات فايسبوكية حول هذه القضية، وهو ما اعتبره البعض بأنه “ربما جاء بطلب من محاميه الذين قد يكون لهم تصور مغاير للدفاع يختلف عن دفاع المتهم، والذي ينحصر في المرافعة والمحاججة القانونية أمام القضاء بعيدا عن التراشق بالتصريحات خارج ردهات المحاكم”.

وبين كلا الاتجاهين، تطفو على سطح النقاش العمومي مطالب القانونيين وأسرة الدفاع بأن تتدخل الهيئات المهنية ممثلة في نقابات وهيئات المحامين، لتأطير تصريحات رجال البذلة السوداء في هذه القضية، بما يخدم صورة مهنة النبلاء أولا، ومصالح أطراف القضية ثانيا، وحتى لا تثار مرة أخرى ما اعتبروها “الحرب الكلامية التي طفت بين المحامين على هامش محاكمة توفيق بوعشرين في قضية الاتجار بالبشر والتحرش الجنسي”.

زر الذهاب إلى الأعلى