مبادئ المنهج الإسلامي في التعامل مع الأخبار الزائفة في عصر شبكات التواصل الاجتماعي
الدار/ خاص
أعادت الأزمة العالمية الناجمة عن تفشي جائحة فيروس “كورونا” المستجد الى الواجهة أهمية وحساسية وسائل الاعلام، ومسؤوليتها الجسيمة في التحري عن الخبر، والتحقق من صدقيته ومن ثم نشره وبثه على أوسع نطاق، خصوصا وأن حياتنا المعاصرة؛ تعيش على إيقاع طفرة في تعدد وسائل الإعلام وتناقل الأخبار ومتابعة الأحداث المحلية والعالمية، وسط كم هائل من المعلومات المتداخلة في كثير من أوجهها.
وبقدرما كانت التكنولوجيا الحديثة، وسهولة التواصل، وسرعة الاتصال، إحدى أهم العوامل التي ساعدت في تحوّل عصرنا إلى عصر المعلومات وتناقل الاخبار بشكل سريع، يعجب المتابع منا أحياناً من التناقض الحاصل في المعلومات التي توردها بعض وسائل الإعلام، المحلية أو العالمية. ما يجعل المتابع متحيّراً في أمره، أي الفريقين يصدّق. وهذا ما يحتّمه النقل الغير مسؤول لبعض أوجه الأحداث، وتسييس جميع الأمور بما يخدم مصلحة الوسيلة الإعلامية، ومالكها أو ممولها.. ما يؤكد باستمرار، ضرورة توخي الحذر من تلقي مضمون الرسالة الإعلامية، والتمييز بين الأخبار الزائفة والصحيحة.
واذا كان تفشي جائحة فيروس “كورونا” على الصعيد العالمي قد بث الذعر في نفوس المواطنين، فان الانتشار الكبير للأخبار الزائفة والمعطيات المضللة أو المشكِّكة في حقيقة الفيروس، أو المضخمة للأرقام والمعطيات حوله، يعد من بين الأسباب التي أثرت سلباً على سلوك الناس، وخلقت حالة من الهلع ونوعاً من الاستسهال وعدم الامتثال للتدابير الوقائية في عدة بلدان.
في المغرب، ومنذ اعلان أول حالة إصابة، وتعبئة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمواطنين لإنجاح الحجر الصحي، شكَّل الوباء مصدر كمٍّ هائل من الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح وتطبيقات التراسل الفوري على الهاتف المحمول، وبذلك تحولت الأنظار إلى جبهة أخرى لا تقل خطورة وضرراً عن الوباء نفسه، في معركة تصدي السلطات المغربية لفيروس كورونا المستجد.
واذا كان محاربة الأخبار الزائفة، والتثبت من صدقية وصحة الأخبار قبل نشرها وتداولها يعتبر بمثابة عماد الممارسة الإعلامية المهنية، وقطب الرحى في منظومة أخلاقيات مهنة الصحافة والاعلام، فان المنهج الإسلامي قرآنا وسنة قد نبه الى ضرورة التأكيد من صحة الأخبار.
و بالعودة الى التراث الإسلامي الحافل بعظات وقصص من هذا القبيل، يمكن الوقوف عند قصة اخبار الهدهد نبي الله سليمان عليه السلام أنه جاءه من سبأ بنبأ يقين، فكان الموقف الحكيم الذي اتخذه سليمان هو الالتزام بالمنهج العلمي في التعامل مع الأخبار؛ باختبارها والتثبت من صدقها من مصادر أخرى وإخضاعها للنظر والتأمل و التحليل المنطقي. “قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ”، وكما أن الثبت والتبين في التعامل مع الاخبار والشائعات هو امتثال إيماني للتوجيهات القرآنية” فتبينوا” وهو اهتداء بمنهج الأنبياء، فهو أيضاً خلق الأسوياء وقيمة أخلاقية حميدة وقيمة عقلية وعلمية تعمل على تنمية الفكر الناقد في التعامل مع الأخبار والرسائل الإعلامية وتمحيص الأخبار الزائفة من الصحيحة.
كما حذّر القرآن الكريم من تداول الشائعات وأرشد من يفتقد القدرة على التمحيص للأخبار بأن يعود إلى أهل الشأن والعلم والخبرة” وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ” “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ “، مما يوضح بجلاء أن ما يصطلح عليه اليوم في مجال الاعلام والصحافة بـ”أخلاقيات المهنة” قد سبق أن نبه اليه ديننا الحنيف في آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، وقصص من سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام.
وقد أطر المنهج الإسلامي محاربة الشائعات والأخبار الزائفة بمجموعة من القواعد:
–أولها: عدم نشر وتداول الشائعات، والاخبار الزائفة بين عموم الجمهور ورواد مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، لأن الكتمان لها يميتها، ويدل على الاستخفاف بشأنها قال تعالى:{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}(النور:16).
– الاعراض عن نشر الفضائح من صور ومقاطع فيديون بأي صورة من الصور، بل إن الستر على المسلم من شيم الإسلام ،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ “(رواه ابن أبي شيبه في المصنف:3672).
– الدعوة الى رد الأمور إلى مصادرها الأصيلة )مصادر الأخبار(. فحين تسري الشائعة بين الناس، وتتضارب المعلومات، و تشوه الحقائق، ينبغي على المسلم أن يرجع للمصادر الأصيلة للحصول على المعلومات الصادقة دون الانسياق وراء هذه الإشاعات. والمصادر الاصلية في عصرنا الحالي تتمثل بشكل أساسي في البلاغات الرسمية الصادرة عن المؤسسات الحكومية، والمواقع والصحف ذات المصداقية، وتصريحات المسؤوليين، و الندوات الصحفية، وغيرها من قنوات التواصل المؤسساتي الهادفة الى تنوير الرأي العام بالأخبار الصحيحة.
– مواجهة الشائعات بالمعلومات، والأخبار الصحيحة والحقائق الثابتة، بدلا من ترك الفرصة أمام مروجي الشائعات لاختلاق الأحداث وتلفيقها، وهو ما قامت به القنوات الوطنية، ووكالة المغرب العربي للأنباء ببلادنا منذ جائحة فيروس “كورونا” من خلال تخصيص حيز للتمييز بين الأخبار الزائفة و الصحيحة.