أخبار دولية

استمرار الحرب والانقسام يقوضان جهود السيطرة على وباء كوفيد-19 في ليبيا

تعاني ليبيا من صعوبات كثيرا في مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد، بسبب استمرار الحرب والانقسامات الحادة في البلاد التي تقوّض كل الجهود المبذولة للحدّ من انتشار الوباء.

بعد تسجيلها أول إصابة مؤكدة في نهاية مارس الماضي، ظل الوضع في ليبيا أقرب الى الاحتواء، خصوصا مع المسارعة الى إغلاق حدود البلاد ومطارها الدولي الوحيد في مصراتة قبل إقدام الدول المجاورة لها على إجراءات مماثلة، إلى جانب وقف عودة رعاياها العالقين في الخارج.

لكن المخاوف ارتفعت بعد تفشي الوباء على نحو مفاجئ في سبها، أكبر مدن جنوب ليبيا التي تقع تحت سيطرة السلطات الموازية في شرق البلاد.

ويقول مدير عام المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا بدر الدين النجار لوكالة فرانس برس “كان انتشار الفيروس تحت السيطرة، ومعدل الإصابات منخفضا جدا، وتجاوزنا في بعض الأحيان أسبوعا كاملا دون تسجيل إصابة”.

ويضيف “عند تسجيل أول إصابة في سبها، لم تحصل استجابة من سكان المدينة بالحرص على تطبيق الإجراءات الاحترازية للحجر المنزلي، وسارت الأمور هناك وكأن شيئا لم يكن. فبدأت الأرقام ترتفع”.

وعن المخاوف بشأن إمكانية وجود مصابين دون أعراض ظاهرة عليهم، أجاب “أجرينا قبل أسبوعين مسحا شاملا لبضعة آلاف من سكان طرابلس، ونتائج هذا المسح ستكشف الوضع الوبائي في العاصمة الأكثر كثافة سكانية في ليبيا”.

وبلغ عدد الإصابات في ليبيا 359 حتى اليوم، 58 منها تماثلت للشفاء، فيما سجلت خمس وفيات. وسجل أكثر من نصف العدد في مدينة سبها والمناطق المجاورة لها في غضون الأسبوعين الماضيين.

وحول أسباب التفشي وتأخر الاستجابة في جنوب ليبيا، يقول المسؤول الليبي “الصراع السياسي بل حتى القبلي، تسبب في صراعات وخلافات أدت إلى عدم تجهيز غرف عزل المصابين في الوقت المحدد (…)، التدارك وتوفير الإمكانات وحل العقبات جاءت بعد تسجيل إصابة عدد كبير من المخالطين”.

وتشهد مدن الجنوب الليبي صراعات قبلية على النفوذ والمناصب الحكومية تتطور إلى أعمال مسلحة، الأمر الذي غالبا ما يؤثر سلبا على الخدمات الحكومية هناك.

وسعت الحكومة التي تتخذ من بنغازي (شرق) مقرا الى محاولة إنشاء مركز مواز لمكافحة الأمراض في شرق البلاد.

ورفضت السلطات المحلية في سبها استقبال أي تجهيزات طبية خاصة بمكافحة كورونا قبل تسجيل أول حالة فيها، فعادت وقبلت التجهيزات التي أرسلتها حكومة طرابلس، بحسب مصادر في طرابلس.

ويقول رئيس لجنة مكافحة جائحة كورونا في سبها إبراهيم الزوي، “لم نتمكن من الوصول إلى الحالة الصفرية حتى اللحظة بسبب كثرة الحالات داخل سبها”. ويضيف “اكتفت فرق الاستجابة السريعة بتتبع الحالات المخالطة ورصدها”.

وواجه برنامج إعادة الرعايا الليبيين العالقين في الخارج انتقادات كبيرة، نظرا للخلل الذي رافق عودة أكثر من نصفهم إلى ليبيا الشهر الماضي، ودخول العشرات منهم وهم يحملون الفيروس.

ويقول النجّار “اعتمدت الحكومة برنامج حجر الرعايا الليبيين في الخارج قبل إعادتهم، وكانت تلك الطريقة الوحيدة الممكنة نظرا للظروف الأمنية وصعوبة تطبيق حجرهم 14 يوما داخل البلاد لضعف الإمكانات”.

ويتابع “حاليا أوقف البرنامج، ويتم النظر في حلول وطرق أخرى لعودة آمنة تقلّل من فرص تفشي العدوى داخل ليبيا”. وأطلقت حكومة الوفاق الوطني برنامجا لإعادة الليبيين في الخارج والبالغ عددهم 15 ألفا في 45 دولة.

وتمت إعادة قرابة ثمانية آلاف شخص قبل وقف البرنامج الأسبوع الماضي، في انتظار برنامج جديد يرجح اعتماده على حجر المسافرين فور عودتهم.

وقامت سلطات شرق ليبيا ببرنامج خاص لإعادة العالقين القاطنين في النطاق الجغرافي الذي تسيطر عليه، فأعادتهم برا عبر الحدود المصرية وجوا من بعض الدول، وقامت بحجرهم داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ويقول الموظف الحكومي محمود خليفة عبد الدائم “عندما أغلقت البلاد تماما، كانت الأمور جيدة بخصوص الكورونا، لكن كل رحلة جوية كانت أشبه بالمفخخات يحملها مصابون”.

ويشرح أن البرنامج نصّ على حجر العالقين 14 يوما في فنادق الدول المتواجدين فيها، وإجراء فحصين للتأكد من سلامتهم، فكيف سجلت إصابات بالرغم من كل هذه الإجراءات؟. قطعا، هناك خلل في تطبيق البرنامج”.

ويرى المستشار السابق في وزارة الصحة الليبية محمود خلف الله أن الانقسام السياسي كان له أثر كبير في حالة التخبط في عملية التعامل مع جائحة كوفيد-19.

ويؤكد لفرانس برس أن “القطاع الصحي في أي بلد هو خدمي بامتياز، وإقحامه في السياسة والصراعات أمر مخجل وغير مقبول، ويدفع ثمنه المواطنون من عامة المجتمع”.

ويشير الى ان السياسة تدخلت في “التعامل مع مخاطر تفشي الوباء في ليبيا”، إذ “قامت سلطات شرق البلاد بإجراءات خاصة بها. وطرابلس (غرب، حيث مقر حكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة) لديها برنامج خاص. وتطوّر حجم الصراع ليصل إلى مرحلة خطيرة تهدد حياة الليبيين”.

ورفضت منظمة الصحة العالمية اعتماد أي نتائج فحوصات لفرع المركز الموجود في شرق ليبيا قبل اعتمادها من طرف المركز الوطني للأمراض في طرابلس.

وطالبت الأمم المتحدة ودول غربية في مناسبات عدة بوقف المعارك في ليبيا بهدف إفساح المجال للجهود الإنسانية والطبية لمواجهة تداعيات كوفيد-19.

وبدأت قوات المشير خليفة حفتر في أبريل 2019 هجوما للسيطرة على طرابلس وتسببت المعارك بسقوط مئات القتلى بينهم عدد كبير من المدنيين وتهجير أكثر من مئتي ألف شخص.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن أكثر من 16 ألف شخص نزحوا بسبب المعارك الأخيرة التي استعادت خلالها قوات حكومة الوفاق السيطرة على كامل الغرب الليبي.

المصدر: الدار ـ أ ف ب

زر الذهاب إلى الأعلى