تقرير أمنستي..”مزاعم خبيثة تستهدف المغرب”
عقب نشر “منظمة العفو الدولية” لتقرير مطول يربط بشكل افتراضي بين المغرب وبرمجيات معلوماتية طورتها شركة إسرائيلية بدعوى استعمالها في التجسس على الصحفي عمر الراضي، خرج مصدر مأذون من المخابرات المغربية لتفنيد ودحض هذه الاتهامات، مؤكدا عدم وجود أية صلات مادية أو عملياتية أو تعاون رسمي بين المغرب ومجموعة “NSO” الإسرائيلية، التي زعمت منظمة أمنستي بأنها هي من طورت تقنية التجسس على عمر الراضي.
ويأتي هذا النفي من جانب المصدر الاستعلاماتي المغربي، ليعزز التساؤلات الإعلامية والصحفية التي تناسلت وتواترت بشأن ظروف النشر الجماعي، وبطريقة متطابقة، لتقرير منظمة أمنستي الذي صدر في منتصف الليل؟ وكذا الأسباب الكامنة وراء الربط الممنهج بين آثار محتملة للتجسس في الهاتف الخلوي لصحفي متدرب والسلطات المغربية؟ وكذا خلفيات تقديم المعني بالاختراق المزعوم بصفة غير صفته المهنية الحقيقية، إذ تم تقديمه كمدافع من المستوى الأول عن حقوق الإنسان!!!
وبالرجوع إلى خلاصات تقرير منظمة أمنستي، نجدها تقول “أن مختبرها الأمني قام بتحليل هاتف عمر راضي الخلوي، وعثر ضمنه على مؤشرات تؤكد تعرضه لبرنامج التجسس “بيغاسوسّ”، شبيهة بآثار لهجمات هي نفسها التي استهدفت المعطي منجب والصادق البوشتاوي، وأنها تطرقت إليها في تقرير سابق، لتستنتج بشكل مبدئي بأن تلك الآثار هي عناصر صلبة تجعل من الممكن إقامة صلة بين هذه الهجمات والأدوات التي صممتها مجموعة “NSO”!!
أكثر من ذلك، ورغم عدم ذكر المغرب في جواب الشركة الإسرائيلية المنسوبة لها البرمجيات التجسسية المذكورة، ورغم انتفاء أي دليل مادي أو آثار تكنولوجية تشير إلى مصدر التجسس المزعوم انطلاقا من المغرب، إلا أن “أمنستي” أصرت على إفراغ “تكهناتها المعلوماتية” في صورة “الجزم”، وربطت بينها وبين المغرب، بدعوى أنه هو المسؤول عن استهداف هاتف عمر الراضي المحمول، وهي مسألة غير مسبوقة تجعلنا أمام تقرير حقوقي تتجاذبه جوانب ظل كثيرة، ومساحات رمادية واسعة تسدل عليه وصف “التقرير المثير للجدل”.
تناقض أمنستي.. برمجية خبيثة بمصدر مجهول أم برمجية مجهولة مصدرها المغرب.
أسست منظمة العفو الدولية “خلاصاتها” على ادعاء مؤداه “العثور على آثار رقمية بهاتف عمر الراضي”، تطابق تلك التي ادعت سابقا أنها وجدتها بهاتف المعطي منجب سنة 2018، في محاولة منها للخروج بنتيجة مبدئية مفادها وقوف السلطات المغربية مرة أخرى وراء عملية الاختراق والتجسس، زاعمة أن عمليات التجسس كانت ترتكز سابقا على إرسال رسالة نصية قصيرة SMS إلى الهاتف النقال المستهدف، يتم اختراقه مباشرة بعد فتح الرسالة كما وقع في حالة المعطي منجب والمحامي البوشتاوي، قبل أن تتطور هذه البرمجية حاليا وتصبح أكثر تفاعلية، حيث يكفي حاليا النقر على رابط على الإنترنت ليتم إعادة توجيه الهاتف المستهدف نحو عنوان إلكتروني يسمح بالوصول إلى جميع بيانات الهاتف. وهذه التقنية هي التي استهدفت هاتف عمر الراضي، حسب تقرير أمنستي دائما.
لكن هذا الادعاء يصطدم بمعطى تقني أساسي، تزكيه المعطيات التي تصدرها كبريات مختبرات الشركات المتخصصة في مكافحة الفيروسات وأمن شبكات الانترنيت، والتي تؤكد أن كشف عمليات الاختراق نفسها هي مهمة صعبة ودقيقة، تقتضي خبرات معلوماتية ووسائل تقنية عالية الجودة، لكن بمجرد كشف هذه العمليات، تبقى مهمة كشف مصدرها سهلة وبسيطة وثانوية، وهو الجزء الذي تغاضت “أمنستي” عن كشفه لأسباب مجهولة يتعين عليها أن توضحها للرأي العام الحقوقي!!.
فإذا افترضنا جدلا تعرض هاتف عمر الراضي للقرصنة من خلال استقبال رسالة نصية قصيرة أو تم توجيهه لرابط خبيث على الأنترنيت، حسب ما تدعيه منظمة العفو الدولية، فقد كان من السهل على مختبراتها أن تحدد البصمة الخاصة بمشغل شبكات الهاتف النقال « opérateur » الذي أرسلت الرسالة النصية الخبيثة عبره، أو تحدد المصدر الجغرافي للرابط المعلوماتي وعنوانه الإلكتروني « IP »، وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يربط بين هذه الهجومات والمغرب بشكل غير قابل للتفنيد. أما الاستنكاف عن تحديد المصدر والنطاق الجغرافي، والربط المعيب بين الاختراق المزعوم والسلطات المغربية، فهي مسألة تلامس من الناحية التقنية ” التكهن والافتراض المعلوماتي وتجافي الخبرة التقنية الحقة”.
عمر الراضي.. صحفي بأوصاف مهنية متعددة
قدمت منظمة العفو الدولية عمر الراضي في صورة المدافع عن حقوق الإنسان من المستوى الأول، بينما وصفه مكتب “رويترز” في تل أبيب بالمنتقد لأوضاع حقوق الإنسان. وبين صفتي “المدافع والمنتقد” تظهر حقيقة عمر الراضي المختلفة والمتمثلة في كونه “صحفيا متدربا” حسب بطاقته المهنية التي يسلمها المجلس الأعلى للصحافة.
وبعيدا عن التوصيف المهني لعمر الراضي، تؤكد تقارير إعلامية متطابقة أننا أمام صحفي “فري لانس” برصيد مغمور، وبشبهات عديدة تلاحق ذمته وسمعته الشخصية. إذ تساءل موقع إخباري مغربي معروف كيف لشخص يتهرب من أداء سومته الكرائية، ويسرق عداد الماء والكهرباء أن يشكل مصدر تهديد للأمن القومي؟ وكيف يمكن للسلطات المغربية أن تستورد تقنيات معلوماتية متطورة ومكلفة لتستخدمها في تعقب شخص أو اختراق هاتفه، وهو لا يستطيع حتى الوفاء بأبسط التزاماته المالية؟
وهكذا، فمن منطلق قصر تجربة عمر الراضي الإعلامية ومحدودية نشاطاته الحقوقية والسياسية، يجد المتتبع لهذا الموضوع نفسه محاصرا بأسئلة مشروعة حول أسباب استهداف الهاتف الخلوي لصحفي متدرب (حسب الوثائق الرسمية)، وما هي المكاسب الأمنية التي ستحققها السلطات المغربية من وراء صحفي لا يتوفر في رصيده الاستراتيجي سوى على زيارة وحيدة للجزائر، ومشاركة شاذة في برنامج حواري بدون زخم إعلامي على المستوى الإقليمي أو الدولي؟
جزء من هذه التساؤلات قد تجيب عليه تقارير إعلامية محلية، تم تناولها خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتناولت جوانب من نشاط عمر الراضي منذ عام 2018، والمتعلق خصوصا بتعاونه الدائم مع مؤسسات دولية متخصصة في جمع واستغلال المعطيات الاقتصادية الدولية، التي يحتمل أن تكون لها علاقة بتسريبات الذكاء الاقتصادي واليقظة الصناعية. فالتقارير الإعلامية تتحدث عن عمر الراضي كفاعل نشيط في تجميع المعطيات الاقتصادية من مصادر الإنترنيت وباقي المصادر المفتوحة وبيعها لهذه المؤسسات والمنظمات الدولية التي تعمل تحت غطاء “المنظمات غير الحكومية”. ألا يمكن أن يشكل هذا النشاط مصدرا لإجراءات إلكترونية مضادة من قبل أشخاص ينشطون في مجال الذكاء الاقتصادي أيضا؟ وهل يمكن الحديث عن تورط محتمل لمؤسسات تجارية محلية أو دولية منافسة تتوفر على التكنولوجيات القادرة على الحد من نشاطه في تجميع المعلومات حولها؟
فلماذا لم تطرح منظمة “أمنستي” هذه التساؤلات التي تبدو مشروعة في ظل أنشطة عمر الراضي ذات البعد العابر للحدود الوطنية؟ ولماذا راهنت فقط على الأبعاد السياسية لهذا الموضوع من خلال إعزاء الاختراق المحتمل للسلطات المغربية رغم انعدام أي آثار تكنولوجية تدعم ذلك؟ ورغم انتفاء أية رهانات أمنية مرتبطة بشخصه.
أمنستي.. خبرة معلوماتية تكشف تواطئات النشر
لقد تذرعت منظمة أمنستي بالخبرات التقنية للزعم بوجود استهداف خبيث لهاتف عمر الراضي، لكنها لا تستطيع أن تنفي أن مجرد ” تقصي معلوماتي بسيط” لتوقيت وسياق نشرها لهذا التقرير، يثير جملة من التوجسات حول خلفيات وملابسات هذا التقرير المثير للجدل.
فنقرة بسيط على محرك البحث في شبكة الأنترنت، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن منظمة العفو الدولية نشرت تقريرها بعد دقيقة واحدة من منتصف ليلة 22 يونيو الجاري، ليعقبها بعد ذلك، وفي غضون دقائق فقط، نشر جماعي ومتزامن لأكثر من 17 دعامة إعلامية دولية وناطقة بلغات مختلفة! فهل كانت كل هذه المنابر الإعلامية الدولية تنتظر صدور هذا التقرير؟ أم أن الصدفة هي التي قادت كل تلك المنابر المتباعدة جغرافيا لفتح موقع أمنستي في وقت واحد؟
وإذا كان منطق الصدفة لا يستقيم في مثل هذه التقارير الدولية، فإننا سنكون أمام ما يشبه “التسريب الجماعي لتقرير موجه سياسيا”، خصوصا وأن كل الناشرين استعملوا تقريبا صورا وتحاليل مشتركة ومتطابقة أحيانا؟ كما أنهم أمعنوا في التوظيف السياسي للاتهامات المفترضة الموجهة للسلطات المغربية. وإذا كانت منظمة أمنستي تتشبث دائما بكونها منظمة غير حكومية تدافع عن حقوق الإنسان بعيدا عن الاعتبارات السياسية والإيديولوجية، فإن ظروف وملابسات نشرها لهذا التقرير، وتزامنه المتطابق في 17 منبر دولي رغم اختلاف اللغات والنطاق الجغرافي بينهم، يجعلنا نتساءل كما يتساءل الرأي العام: هل هناك يد خفية تتحرك في الخفاء لاتهام المغرب في واقعة تجسس مزعومة؟ وهل هناك جهة ما تحاول مخاصمة المغرب حقوقيا مثلما تخاصمه سياسيا وراء الكواليس؟
هذه الأسئلة وغيرها، لا تشكك فقط في عمل منظمة العفو الدولية، وإنما تقتات مما تبقى من مصداقيتها..لأنها تشير بأصابع الاتهام إلى احتمال وجود تواطئات سياسية تتحكم في تقارير منظمات دولية تدعي الانتصار لحقوق الإنسان. فهل يمكن الحديث عن استفادة المعطي منجب وعمر الراضي من خدمات “صديقهما الأزرق” لاختراق المنظمات الحقوقية الدولية؟ خصوصا وأن بصمة هذا الصديق أصبحت علامة مميزة نكاد نجدها في كل قضايا الرأي العام بالمغرب.