الدار/ رضا النهري:
يسعد الناس كثيرا بتخفيف إجراءات الحجر الصحي، ليس لأن فيروس “كورونا” رحل، بل هو باق بيننا إلى أجل غير مسمى، ولكن لأن الناس استعادوا حريتهم في الحركة واللقاء، وأكثر من كل هذا فإنهم استعادوا عشقهم المفقود.. المقهى.
في وجوه الناس هذه الأيام سعادة طفولية وهم يجلسون على أرصفة المقاهي ويحتسون مشروبهم أو يدخنون سيجارة طال غيابها. لقد كانت المقهى ولا تزال ركنا أساسيا من حياة الناس، والرجال على الخصوص. إنها ملاذهم الذي يصعب فراقه ليوم واحد، فكيف وقد كان الفراق أكثر من مائة يوم..
لم يحدث في تاريخ البشرية الحديث أن انقطعت الصلة بين الناس والمقهى كل هذا الوقت، فحتى في أيام الحروب الشرسة، بما فيها الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تنقطع صلة الناس بمقاهيهم، وكانت هذه المقاهي في أيام الشدة بمثابة السلوى لما يجتازه الناس من نكبات، لكن ما حدث في الفترة الأخيرة كان يحمل الكثير من المفارقات، لقد فقد الناس المكان الأثير الذي يمكن أن يبثوا فيه لواعجهم وأحاسيسهم بفعل تفشي الفيروس. فقد كان الضربة مزدوجة حضر الفيروس وغابت المقهى.
في كل العالم تأخذ المقاهي مكانها الأثير في قلوب الناس، سواء كانت مقهى عادية أو حانة، إنها تلعب دور المعوّض عن أشياء كثيرة، إنها بمثابة الأسرة والإدارة والحزب والدولة، وفيها يقال ما لا يمكن أن يقال في أي مكان آخر، لذلك يتناقل الناس قصص المخبرين في المقاهي والحانات أكثر مما يتداولون حكاياتهم في أي مكان آخر.
لقد كان الحجر الصحي مفيدا أكثر مما يجب، ليس على المستوى الصحي فقط، بل أيضا على المستوى الاجتماعي والنفسي. لقد أدرك الناس أن الكثير من الأشياء التي تبدو لهم عادية جدا وفي المتناول في كل الأوقات هي في الحقيقة ليست كذلك. ففي أية لحظة يمكن للناس أن يفقدوا ما كانوا يعتبرونه ملكية أزلية، وسيزداد هذا الشعور في المستقبل، عندما ستطور الفيروسات نفسها وسترهب الناس أكثر، وهذا منا سيجعل الناس يحبون الحياة ويتذوقون معناها أكثر.
