الجاليات المغاربية وعطلة الصيف…موعد لتجديد اللقاء مع البلد الأم يفسده فيروس كورونا
تجدد الجاليات المغاربية عادة لقاءها كل فصل صيف مع بلدانها الأصلية، ويكون هذا اللقاء مناسبة لزيارة الأهل والأحباب وربط صلة الوصل مع البلد الأم. لكن الظروف الصحية الحالية التي فرضها وباء فيروس كورونا تفسد إلى حد ما هذه المناسبة، لما تسببه من ضبابية حول موعد فتح الحدود خاصة في كل من المغرب والجزائر، والتدابير الصحية التي تفرض على أفراد هذه الجاليات في حال اتخاذ قرار السفر إلى دولهم.
فصل الصيف موعد استثنائي له أهميته الخاصة لدى الجاليات المغاربية المقيمة في أوروبا، تربط فيه صلة الوصل مع بلدانها الأصلية وتزور خلاله أسرها خلال عطلها السنوية، علاوة على أنه مناسبة لها لتغيير الأجواء والترويح عن النفس بعد عام كامل من العمل والجد في دول الإقامة.
وتستقبل الدول المغاربية جاليتها هذا الصيف في ظروف غير عادية بحكم الأزمة الصحية العالمية التي تسبب فيها فيروس كورونا. واختارت هذه البلدان، خاصة المغرب والجزائر، التريث بشأن الإعلان عن تحديد موعد لفتح حدودها في وجه أبنائها بالمهجر والإجراءات المصاحبة للعملية، حتى تتضح الصورة عالميا بخصوص تفشي الوباء.
المغرب: إلغاء “عملية مرحبا” وعدم الإعلان الرسمي عن موعد فتح الحدود
لم تعلن الحكومة المغربية عن أي موعد رسمي لفتح حدودها، فيما أورد موقع “العمق” المغربي، نقلا عن صحيفة “إسبانيول” خبرا استندت فيه إلى تصريح لمسؤول مغربي بأن المملكة ستفتح أبوابها في وجه مواطنيها بالخارج في 15 يوليوز الجاري، علما أن الرباط قررت إلغاء “عملية مرحبا” في دورتها الـ33 لأول مرة منذ انطلاقتها بسبب فيروس كورونا، والتي تنظمها المملكة كل عام لاستقبال جاليتها.
وذكرت يومية “العلم” المغربية أن “ما يعوق حسم الحكومة في تدابير عودة المغتربين هو عدم استقرار الوضعية الوبائية بالمغرب وبعدد من دول المهجر، وتخوف المسؤولين من اتخاذ خطوة قد تكون سببا في انفجار موجة ثانية من الوباء أكثر حدة…”.
وحسب نفس المصدر، ستفرض الرباط على العائدين من مواطنيها المغتربين نفس الإجراءات الصحية التي رافقت عودة العالقين. فحالما يصل المهاجر المغربي إلى أرض الوطن، يحال إلى نزل للخضوع لحجر صحي إلزامي يدوم تسعة أيام، ولا يخرج منه إلا بعد إجراء اختبار للدم في نهاية مدة الحجر لتأكيد عدم إصابته بفيروس كورونا.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قد أكد أن “جميع العائدين يخضعون لتحليلين مخبريين عند الوصول وانتهاء فترة الحجر الصحي، وفي حالة اكتشاف إصابة.. يتم فورا القيام بتحليل ثالث وبحث جميع المخالطين للتأكد من خلوهم من الفيروس”.
الجزائر تبقي حدودها مغلقة
الجارة الشرقية للمغرب، الجزائر لم تتوضح الصورة فيها هي كذلك بخصوص تاريخ فتح الحدود في وجه جاليتها والإجراءات الصحية التي تعتزم اتخاذها بشأن ذلك، إذ قررت الجزائر إبقاء حدودها البرية ومطاراتها وموانئها مغلقة حتى إشعار آخر، بعد تسجيل ارتفاع متواصل في عدد الإصابات بالفيروس.
وحسب السلطات الصحية الجزائرية فإن ارتفاع عدد الإصابات يعود لعدم احترام التدابير الصحية من قبل بعض المواطنين. واضطرت الشرطة إلى التدخل في عدة مناسبات لوقف حفلات زفاف تجمع فيها عشرات الأشخاص.
واعتمدت السلطات الجزائرية إجراء الحجر الصحي على العائدين من الخارج من العالقين، لفترة عزل في فنادق حكومية وخاصة لمدة 14 يوما تفاديا لتفشي الوباء. ويتوقع أن تفرض هي الأخرى إجراءات عزل لأسبوعين على المغتربين في حال دخولهم إلى البلاد لقضاء عطلة الصيف.
تونس: حجر صحي ذاتي وتحليل للدم للدخول للبلاد
وفي تونس، ترى جاليتها صورة العودة أكثر وضوحا مما هي عليه في المغرب والجزائر، إذ قررت الحكومة التونسية فتح حدودها أمام مواطنيها بدءا من 27 من الشهر الماضي. وجاء في بيان لها صدر في 3 يوليو/تموز أنه سيتم إعفاء الأطفال الذين لا يتجاوز سنهم 12 سنة من ضرورة تقديم تحليل مخبري “إر ثي- بي سي إر”، وكذلك التونسيين والأجانب الذين لديهم مقر إقامة في تونس، وتحديدا أولئك الذين يقيمون في البلدان التي يتعذر فيها القيام بالاختبار، شرط قضاء فترة حجر صحي إجباري لمدة 10 أيام على نفقته بإحدى مراكز الحجر الصحي المعدة للغرض.
وكانت تونس قد قسمت المناطق التي تستقر بها جاليتها إلى لونين:
اللون البرتقالي بالنسبة لفرنسا، وجميع القادمين منها يخضعون للإجراءات الصحية المفروضة، وهي تقديم تحليلات الدم، على ألا تتجاوز مدة إجرائها خمسة أيام. ويخضع التونسيون القادمون من هذا البلد الأوروبي لحجر صحي ذاتي مدة سبعة أيام، ويقومون باختبار للدم في اليوم السادس منه، وإذا كان التحليل سلبيا يخرج الشخص من الحجر الصحي الذاتي. ويمكنه وقتها الخروج العزل المنزلي.
فيما صنفت الحكومة التونسية كل من ألمانيا وإيطاليا ضمن خانة اللون الأخضر، والقادمون من مواطنيها من البلدين لا يخضعون للإجراءات الصحية المفروضة. أما بالنسبة للوافدين من بقية دول العالم، فسيفرض عليهم الحجر الصحي الإجباري لمدة أسبوع في نزل، على أن يجروا تحليلا للدم في نهاية أسبوع الحجر، يتم رفعه عنهم في حال كان الاختبار سلبيا. وهذا التصنيف يراجع أسبوعيا.
الإجراءات الصحية بين الانتقاد والقبول
هذه الإجراءات الصحية في تونس، يبدو أنها “تنسجم مع مطالب المهنيين في قطاع الأسفار” حسب تصريح حكيم التونسي لفرانس24، وهو أحد المهنيين الفرنسيين التونسيين العاملين في هذا المجال، والذي اعتبر أن هذه الإجراءات جاءت مخففة بالنسبة لتدابير أُعلن عنها في وقت سابق بعد دعوات المهنيين الحكومة مراجعتها. وأكد أنها “تراعي الجانب الصحي والاقتصادي في آن واحد”..
ورغم الإجراءات الصحية الصارمة، قرر عزيز، وهو تونسي مقيم في باريس، السفر إلى بلاده هذا الصيف. وعبر هذا المهندس في الإعلاميات لفرانس24 عن استعداده للسفر، “لأني لم أزر البلد منذ عامين، وينتابني الكثير من الشوق لرؤية الوالدة خاصة”.
أما المغربي جمال ريان المختص في مجال الهجرة والمقيم في هولندا، فيعتبر السفر إلى المملكة في هذه الظروف الصحية ومع الإجراءات التي فرضتها الرباط “مغامرة مجهولة المصير”.. وفق ما جاء في تصريحاته لفرانس24.
وقرر ريان بسبب هذه الإجراءات الصحية “القاسية” عدم قضاء العطلة الصيفية في بلاده الأم، فهو يشعر “بالخيبة والتذمر” لإلغاء “عملية مرحبا” التي تنظم عادة كل صيف لاستقبال الجالية المغربية، وأضاف أن “عددا كبيرا من مغاربة في الخارج كانوا ينوون قضاء عيد الأضحى مع العائلة بالمغرب والترويح عن النفس بعد قضاء عدة أشهر في الحجر الصحي الإجباري”، لكن الإجراءات المعتمدة، ولا سيما الحجر الصحي لمدة تسعة أيام، جعلتهم يغيرون رأيهم في آخر لحظة.
عائدات سنوية بعشرات المليارات يورو من تحويلات المهاجرين
هذه الظروف الصحية العصيبة التي تمر بها البلدان المغاربية في ظل أزمة كورونا والتي لا تشجع الكثير من أبنائها على تجديد اللقاء معها، سيحرم الاقتصادات المحلية من عائدات مهمة، سيظهر أثرها بدءا من شهر سبتمبر المقبل، وفق ما جاء في حديث الخبير الاقتصادي كميل الساري لفرانس24.
و”تتجاوز تحويلات المغاربة إلى بلدهم الأصلي الستة مليارات يورو، فيما يحول التونسيين إلى وطنهم الأم أكثر من مليارين يورو” وفق توضيحات الساري. وتُعرف قيمة هذه التحويلات لأنها “تمر عبر القنوات المصرفية، إلا أنها تظل مجهولة في الجزائر، بحكم أنها تعبر من مسارات أخرى غير مؤسساتية قبل أن تصل إلى البلاد”.
وحسب الساري، يقيم في الخارج ما يقارب سبعة ملايين جزائري، وتعد تحويلاتهم رسميا هي الأضعف في الدول المغاربية، إذ تقدر بحسب تقرير للبنك الدولي في حدود 2,2 مليار دولار في 2018. لكنها في حقيقة الأمر تتجاوز ذلك بكثير حيث تتحدث بعض الأرقام عن 16 مليار يورو بحكم أن غالبية التحويلات تجرى بعيدا عن المصارف الجزائرية.
وتحاول الحكومة الجزائرية في الوقت الحالي تدارك الفراغ المصرفي على المستوى الأوروبي، بعزمها إنشاء فروع لمؤسسات بنكية في أكثر من بلد أوروبي. ويقول الساري “الوضع الحالي للنفط في السوق العالمية، فرض على العديد من البلدان المنتجة للذهب الأسود تنويع مصادر اقتصادها، والخطوة الجزائرية تدخل في هذا النطاق”.
المصدر: الدار- أف ب