علي أنوزلا.. يصنف الصحفيين لفرقة ناجية وأخرى مع الدولة
يعتقد بعض الخلق أن ذاكرة الشعوب قصيرة، وأنها لا تحفظ إلا النزر القليل من أكوام الأحداث المتسارعة. لكن هذا الاعتقاد الخاطئ يُسقط من ذاكرة الشعوب معطى أساسيا مؤداه أن الأرشيف الورقي والمحتوى الرقمي يحفظ جميع الأحداث، أيّا كانت طبيعتها وأطرافها وسياقاتها، ويُسجل أيضا كل المواقف والتصريحات والكتابات التي تبقى شاهدة على أصحابها، حتى تُسجيهم الأسمال البيضاء في ظلمات الأجداث الدامسة.
ومن بين هؤلاء الخلق، الصحفي علي أنوزلا الذي يحاول هذه الأيام إسقاط تاريخه من الذاكرة المشتركة للمغاربة، والتصرف على نحو توضيبي في مساره الشخصي والمهني، في سعي فايسبوكي حثيث لإيهام النفس قبل الناس بأنه يصلح لشغل مهمة “الناطق الرسمي باسم المجلس التأسيسي المزعوم”، وشاحذ جذوة الهَبّة الشعبية الموهومة.
فعلي أنوزلا، أطلق هذه الأيام خطة “تعزيرية” جديدة تقيم الحد بالشبهات، متأسيا في ذلك بالحجاج ابن يوسف الثقفي، مُعلنا على رؤوس أشهاد “جُند المنصات التواصلية” بأن الأوان قد آن، وأن زمن التساهل قد ولّى، منذرا بتقسيم رهط الصحفيين لفسطاطين: فسطاط الموالين له ولخديجة الرياضي ومن معهما، باعتباره الفرقة الإعلامية الناجية، وفسطاط الدولة الملعون المنذور بالتشهير والتقريع والفضح العام.
فعلي أنوزلا، الذي كان مولعا بالحديث عن “لامرئية السلطة”، و”لامادية” الضبط العام، يطالب اليوم بإعمال محاكم التفتيش ونصب المشانق للصحفيين والإعلاميين في أرصفة الطرقات وعلى إسفلت المدارات العامة. والتهمة الجاهزة التي يطرحها قاضي التفتيش الجديد هي “جرم التعامل مع الدولة والمخزن والأمن”! وأدلة الإثبات الموجبة للإدانة حسب “القاضي” علي أنوزلا هي ” الاشتباه” في تحول الخط التحريري عند هؤلاء الصحفيين بين ماض تولى وحاضر مٌغاير، وفي ملاءة رصيدهم البنكي بين الأمس الـمُعوز واليوم الـمُسرف.
وعلي أنوزلا، الذي يزايد على زملائه في المهنة، وينصب الخازوق لبني عثرته، نسي بأن مقالاته في الشرق الأوسط لازالت تحفظ “الود لرجل الأمن السابق حميدو لعنيكري”، الذي زفّ خبر تعيينه في منصب المدير العام للأمن الوطني بمقالة تتحدث عن “بريق الرجل الذي لمع”، و”انجازاته التي لا تنضب” في مواجهة خلايا الصراط المستقيم والهجرة والتكفير وغيرها. إنه التاريخ، الذي يسجل المواقف على حقيقتها، ويوثق تطورات الحياة في مسارات الأشخاص بمن فيهم مسار علي أنوزلا. فلا داعي إذن للمزايدة بالاستقلالية والطهرانية، لأن هناك مثلا تونسيا جميلا يسأل فيه الابن الصغير أباه” في أي وقت نصير شرفاء يا أبي..فيرد عليه الأب: عندما يتوفى من يعرفوننا يا ولدي”.
ومن نافلة التذكير، لعلّ الذكرى تنفع سي علي أنوزلا، فإننا نتساءل معه بصوت مسموع: من قام بتسريب الشريط الكامل للحوار الذي أجرته الشرق الأوسط مع الشيخ محمد الفيزازي قبيل اعتقاله؟ وهنا نتحدث عن الشريط الأصلي الكامل، وليس الشريط المنشور الذي تصرفت فيه كثيرا الجريدة اللندنية قبل النشر؟ ومن هي تلك الجهة التي تسرب لها هذا الشريط؟ سنترك الإجابة على هذه التساؤلات للزميل علي أنوزلا، علّها تكون له عبرة وهو يمتهن، منتشيا ومزهوا، صحافة الاستقصاء في حق الصحفيين التي لا تليق به نهائيا، لسبب بسيط وهو أن الذين يعرفونه لازالوا على قيد الحياة جميعا.
وعلي أنوزلا، الذي اعتلاه الحبور من أخمص قدميه إلى غرّة جبينه لمجرد أن شخصية أمنية سامية منحته، في منتصف العشرية الأولى من الألفية الثالثة، بطاقة زيارة مكتوب عليها بخط اليد أربع أرقام لهواتف ثابتة ومحمولة، ولم تكد الدنيا تسعه وقتها لأنه غنم ببيانات الرجل الهاتفية. هو الذي يتوعدنا اليوم، نحن معشر الصحفيين، بالنسخة الثانية من محاكم التفتيش، وبصورة محيّنة وراهنية من التعزير وإقامة الحدود على أساس الشبهات!!
لكن وعيد وتهديد علي أنوزلا للصحفيين والإعلاميين، ظل مشوبا بالضبابية وبمساحات رمادية واسعة، إذ لم يجاهر بالطريقة المزمع اعتمادها لإيلام الإعلاميين غير الموعودين بموئل الفرقة الناجية. ولم يكشف عن قصاص المتعاملين معهم من أجهزة الدولة الرسمية. كما أنه لم يحدد أيضا ما إذا كانت توسلاته الكثيرة السابقة عند رجال الشرطة والدرك للإفراج عن أشقائه ومقربيه في قضايا العربدة والحق العام مجرمة هي الأخرى أم لا؟ وهل تعتبر وزرا يلاحق الصحفي الذي يتواصل مع أجهزة الدولة، أم أنها تخضع لأسباب التبرير والإباحة في لغة القانونيين؟. فهل يجرؤ علي أنوزلا على دحض كل ذلك؟ أم أن ذاكرته قصيرة، وذاكرتنا نحن هي العصية على النسيان والسلوان.
وفي كلمة أخيرة نهمس بها في أذن الزميل علي أنوزلا، لعلّه يتقبلها ولو من باب المكاشفة إن هو رفض المناصحة: إن استعراض العضلات ضد الصحفيين ليست مروءة وإنما هي نُفوق عن مجامع المهنة، والتهديد بفضح الإعلاميين ليست شجاعة وإنما هي رعونة وضحالة. والتآمر في جنح الظلام على أصحاب الريشة والقلم والمحبرة والميكروفون بدعوى امتلاء أرصدتهم البنكية.. فهو لعمري ضرب من ضروب الأنانية “التي تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل”، ونحن نهاب عليك من ويلات “الذل” الذي تدفع نفسك إليه اختيارا وطوعا.