سنة في تكريس الطابع الاستراتيجي لعلاقات الشراكة المتعددة الأبعاد بين إسبانيا والمغرب
واصلت علاقات الشراكة المتعددة الأبعاد التي تجمع بين إسبانيا والمغرب، التي ترتكز على الثقة المتبادلة والروابط الإنسانية العريقة خلال هذه السنة، ترسيخ أسسها وتكريس تميزها عبر مبادرات ومواقف وزيارات متبادلة بين مسؤولين من أعلى المستوى في بلدين يتطلعان لفتح آفاق جديدة في هذه الشراكة المتفردة وجعلها نموذجا يحتذى.
وتعكس العلاقات العميقة والاستراتيجية التي تربط بين البلدين الجارين مدى التعاون الوثيق الذي يجمع بين المملكتين، والذي يتمظهر في العديد من القضايا والملفات، خاصة في مجال محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير القانونية، إلى جانب الشراكة القائمة في مجال الاستثمارات والتبادل التجاري والاقتصادي، وفي مجال البحث العلمي والتعليم والثقافة والعلاقات الإنسانية بمختلف تشعباتها.
وإذا كان التعاون الاقتصادي الثنائي وآفاقه الواعدة لم يعد بحاجة إلى تأكيد، باعتبار أن أكثر من ثلث الاستثمارات الإسبانية متمركزة في المغرب الذي أضحى ثاني شريك اقتصادي للدولة الإيبيرية، خارج الاتحاد الأوروبي، كما أن إسبانيا تعتبر أول شريك تجاري للمغرب، فإن قضايا الأمن ومحاربة الإرهاب وشبكات الهجرة غير الشرعية، أصبحت كلها تحتل حيزا خاصا في دينامية التعاون بين المغرب وإسبانيا.
ولعل ما يضفي طابع التفرد والخصوصية على العلاقات المتميزة بين البلدين، هو التقييم الدوري والشامل والمستمر الذي يجريه البلدان لدعامات وأسس تعاونهما الثنائي في مختلف المجالات، والذي يكون “إيجابيا” على الدوام، كما أكد على ذلك بيان لرئاسة الحكومة الإسبانية صدر يوم 27 نونبر 2019 بمناسبة استقبال بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية بقصر (لا مونكلوا) للسيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج الذي قام بزيارة لمدريد.
وقد استعرض الجانبان خلال هذا اللقاء الذي جرى، على الخصوص، بحضور سفيرة المغرب في إسبانيا السيدة كريمة بنيعيش “إحياء العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي، وعبرا عن ارتياحهما لدخول اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الطرفين حيز التنفيذ بعد المصادقة عليهما شهر غشت من نفس السنة”.
وجاءت الزيارة التي قامت بها أرانشا غونزاليس لايا، وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية إلى المغرب شهر يناير الماضي (24 يناير)، لتؤكد هذا التوجه، حين شددت على جودة العلاقات المغربية-الإسبانية “الاستراتيجية والعميقة”.
وقالت غونزاليس لايا خلال لقاء صحفي مشترك مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، أن اختيار الرباط لتكون أول محطة ضمن زياراتها للخارج بعد تعيينها في منصب رئيسة دبلوماسية بلدها “ليس صدفة بالنظر لجودة وتميز العلاقات التي تربط بين البلدين الجارين”، والتي هي علاقات “عميقة واستراتيجية”.
وبهذه المناسبة، جددت وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية التأكيد على موقف بلادها الصريح والواضح والحاسم من قضية الصحراء المغربية، مؤكدة أن مدريد “تدافع عن مركزية الأمم المتحدة في البحث عن تسوية لهذا النزاع في إطار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”. وسلطت المسؤولة الإسبانية خلال نفس اللقاء، الضوء على التقارب القائم بين وجهات نظر البلدين بشأن مختلف القضايا وعبرت عن رغبة الحكومة الإسبانية في إضفاء دينامية أكبر على العلاقات الثنائية في أعقاب الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني الملك فليبي السادس إلى المغرب في فبراير 2019.
كما أشادت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية بالإصلاحات التي أطلقتها المملكة في عدة مجالات، مؤكدة على أن “المغرب منطقة مستقرة في محيط مضطرب”، وأن إسبانيا تعتبر تعزيز الروابط مع المغرب “اختيارا ذكيا وملائما للطرفين”، مؤكدة على ضرورة ارتياد مجالات جديدة للتعاون، لاسيما التربية والثقافة والعلوم والتكنولوجيا.
وشددت غونزاليس لايا على رغبة البلدين في تعميق تعاونهما داخل الاتحاد الأوروبي بهدف إضفاء دينامية أكبر على العلاقات مع جنوب أوروبا، لكي تصبح علاقات خاصة وفريدة من نوعها بين الرباط وبروكسيل، مشيدة بالتعاون بين البلدين في مجال محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وبالفعل، فقد أقام كل من المغرب وإسبانيا تعاونا مثاليا في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، إلى جانب مختلف أشكال الجريمة، خاصة ما يتعلق بالإرهاب، حيث أضحى التعاون بين الأجهزة الأمنية ووزارتي الداخلية في البلدين نموذجا يحتذى في مجال التعاون الإقليمي.
وقد تمت الإشادة أكثر من مرة ومن أعلى المستويات بجهود المغرب في ميدان مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكذا بالتعاون والتنسيق المتميز والمتفرد بين الأجهزة الأمنية بكل من إسبانيا والمغرب، والتي ما فتئت تعمل بشكل جدي وفي إطار من التنسيق والتعاون لمحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا خلال زيارة العمل التي قام بها إلى الرباط شهر فبراير الماضي أن التعاون بين الأجهزة الأمنية بكل من إسبانيا والمغرب هو “تعاون مثالي ونموذجي”، خاصة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب وتهريب المخدرات.
وأوضح غراندي مارلاسكا خلال الاجتماع الذي عقده مع عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، في إطار هذه الزيارة أن “العمل المشترك اليومي الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في البلدين نموذجي ويعطي نتائج جد إيجابية وملموسة”، مشيدا بالحصيلة الإيجابية لهذا التعاون طوال عام 2019.
وأعرب وزير الداخلية الإسباني عن إرادته واستعداده “مواصلة العمل معا على أساس مبدأ الثقة المتبادلة” خلال العام الجاري، وشدد على أن “التعاون مع المغرب يكتسي أولوية بالنسبة لإسبانيا”.
وأبرز في هذا السياق “تعاون ودعم السلطات المغربية في مجال مكافحة شبكات الاتجار بالبشر”، وهو التعاون الذي ساهم في انخفاض قدرت نسبته بـ 4ر53 في المائة في عدد المهاجرين غير الشرعيين، الذين وصلوا إلى إسبانيا عن طريق البحر في عام 2019 مقارنة بالعام الذي قبله.
وقال غراندي مارلاسكا إن إسبانيا والمغرب “تمكنا من تقليص موجات الهجرة السرية بأكثر من خمسين بالمائة، وذلك بفضل “التعاون المهم القائم بينهما في محاربة منظمات الاتجار بالبشر”، مستعرضا العديد من عمليات الإنقاذ في عرض البحر لمرشحين للهجرة غير الشرعية التي قام بها الجانبان، وشدد على أن البلدين يعتمدان مقاربة وقائية من خلال تفكيك عدد هام من شبكات الجريمة والهجرة السرية.
كما جدد التزام الحكومة الإسبانية من أجل مواصلة الدفاع أمام مؤسسات وهيئات الاتحاد الأوروبي “عن الأهمية الكبيرة التي يحظى بها المغرب كشريك استراتيجي في قضايا الهجرة، وفي مجالات أخرى كثيرة ومتنوعة”.
وفي مجال مكافحة الإرهاب تكشف أرقام وبيانات الخلايا التي تم تفكيكها في إطار التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية في البلدين عن عمق وكثافة التعاون الجديد والملموس بين إسبانيا والمغرب، وهو ما أكده الوزير الإسباني حين قال بنفس المناسبة “أن التعاون بين البلدين ما فتئ يعطي ثماره وتجب الإشادة بالعمليات المشتركة ضد الإرهاب التي تقوم بها قواتنا الأمنية منذ عام 2014″، والتي تم تنفيذها ضد شبكات تهريب المخدرات والمجموعات الإجرامية المنظمة التي تنشط في إسبانيا والمغرب.
كما استعرض الجهود المبذولة من أجل ضمان الأمن في كلا البلدين من خلال محاربة ترويج المخدرات والمنظمات الإجرامية، مؤكدا على أن مفتاح النجاح الذي حققه البلدان في هذه المجالات هو “الوحدات والفرق الجيدة وذات الكفاءة العالية التي يتوفران عليها والثقة المتبادلة بينهما”.
ولا شك أن علاقات الشراكة المتميزة بين المغرب وإسبانيا، وكذا المبادرات والمواقف التي دأب البلدان على اتخاذها في إطار التعاون الثنائي النموذجي القائم بينهما تعكس بشكل جلي الاهتمام الكبير الذي توليه كل من إسبانيا والمغرب لدعم وتعزيز وتعميق شراكتهما في مختلف المجالات، وكذا الرغبة والإرادة القوية من أجل إعطاء دفعة أكبر للعلاقات الثنائية وفتح آفاق أوسع للشراكة والتعاون والاستفادة أكثر من مختلف أوجه التكامل بين البلدين خدمة لمصالحهما المتعددة الأبعاد.
المصدر: الدار- وم ع