الرأيسلايدر

الأزمة لا تدبر بتواصل مجتمعي شبه معطل

بقلم : يونس التايب

لماذا انزعج البعض من سماع رقم 811 مصابا بعدوى فيروس كورونا خلال 24 ساعة الأخيرة ؟ هل كانوا ينتظرون شيئا آخر بينما هم يرون بأعينهم كل هذا الاستهتار بالفيروس من طرف الناس في الشوارع و الأسواق، و المقاهي و المطاعم، ووسائل النقل الحضري و القطارات و الحافلات بين المدن؟

ما نراه في الواقع يجب أن يدفع الناس لتستعد لسماع خبر تجاوز الحاجز النفسي لرقم 1000 مصاب بعدوى الفيروس يوميا، وبعد ذلك انتظار رقم 1200، ثم ربما 1500 حالة جديدة كل 24 ساعة. لم لا نصل لهذه الأرقام و نحن منخرطون في حفل جماعي لنقل الفيروس بيننا عبر تخلينا عن الاحتياطات الوقائية، و عودة السلام بالأيدي و القبلات على الخذ، و السير في الشارع بدون أي تباعد، و الجلوس في المقاهي مجموعات تسند بعضها بعضا بالأكتاف و هي تضحك و تحكي قصصا تسليها في أيام صيف حار؟

لماذا ينزعج البعض من رقم 6 و 7 وفيات يوميا ؟ حري بهم أن يستعدوا لرقم يتجاوز 10 و ربما 15 وفاة يوميا. ألم نقل أن نسبة الإماتة في بداية الجائحة كانت هي 5 بالمائة ؟ طيب لنفترض أنها في المغرب أقل من 2 بالمائة، إذن كم سيموت من الناس عندما نصل إلى رقم 800 أو 1000 مصاب يوميا؟

لست من هواة التشاؤم، و كتاباتي كلها تشهد أنني أتعمد رؤية نصف الكأس المملوء عوض الحديث عن النصف الفارغ، و أفضل الحديث عن اللون الرمادي عندما أرى اللون الأسود الداكن. أفعل ذلك بسبق إصرار، لأنني أومن أن العيش على الأمل الذكي، أفضل من السير بتشاؤم و يأس قاتل في واقع ليس فيه أشياء كثيرة ضرورية لنتجنب القلق. ولكن، هذه المرة و بكل التفاؤل الممكن، أعترف أننا لا نسير في الطريق الصحيح في موضوع تدبير جائحة كوفيد 19 على مستوى تدبير التواصل العمومي، الذي يتأكد كل يوم أن فيه مشكلا حقيقيا. بل أكاد أجزم أننا وصلنا إلى قلب ديناميكية تواصل شبه معطلة، تستدعي طرح أسئلة لا بد منها.

وبدون الحاجة إلى العودة لأمثلة سابقة، أقف عند حدث الاحتفال الأسبوع المقبل، بعيد الأضحى المبارك. في ظل الظروف الوبائية الحالية، لا شك أن قرار إحياء هذه الشعيرة المباركة، كانت فيه شجاعة كبيرة، و محاولة للتوفيق بين أبعاد كثيرة اجتماعية و اقتصادية و دينية. و هو، أيضا، قرار يدل على ثقة كبيرة في روح المسؤولية لدى المواطنين، ورهان على أن كل ما سيسبق يوم العيد من تحركات، و ما سيكون فيه و خاصة شعيرة ذبح الأضحية، سيستوفي شروط الوقاية الصحية وسيتم باحترام تام للإجراءات الاحترازية من الفيروس.

لكن، رغم كل ما يطلب من الناس من وجوب الالتزام بالإجراءات الاحترازية الوقائية، و ما يتم يوميا من تحرك ميداني للسلطات المختصة من أجل ضبط فضاءات تسويق الماشية، و منع استعمال “كاراجات” قرب الأحياء السكينة، و منع ولوج الأسواق لماشية قادمة من مناطق تعاني من مؤشرات عدوى مرتفعة، إلا أن ما يجري من ازدحام و عدم وضع الكمامة، يؤكد مظاهر الاستهتار بالفيروس التي ذكرتها آنفا. فهل، بصدق ستجري الأمور كما كان مأمولا؟ هل يحق لنا أن نطمئن لمنسوب الوعي المجتمعي؟ هل فعلا هنالك استيعاب لخطورة الموقف ؟ هل سينجح الرهان على المواطنة للحفاظ على أرواحنا وأرواح غيرنا ؟

ألم يحن الوقت، الآن و فورا، كي نعترف بأن المشكل هو أن الخطاب التوعوي لا يصل إلى الناس، وإذا وصل إليهم لا يأخذ به إلا القليل؟ ألسنا، منذ أسابيع، أمام حالة معقدة تتميز بخطابات غير متجانسة، وضعف في التواصل العمومي، وشيء من الارتباك، و غياب الثقة لدى متلقي الرسائل التواصلية العمومية ؟ أليس ذلك كله قد تسبب في الاستهانة بالتوجيهات و عدم اتباعها، و ضعف قدرة الناس على التأقلم مع المواقف المستجدة و ما تستوجبه من تغييرات سلوكية ؟

في رأيي، الأمر جدي للغاية، و الوضع مقلق و يحتاج وعيا حقيقيا بأن تدبير الأزمة لا يمكن إلا أن يكون شاملا و متناسقا و استباقيا و تفاعليا، يلعب فيه التواصل العمومي دورا محوريا كي ينجح المجهود الرسمي للدولة.

لذلك، بالنظر لما هو آت من استحقاقات ومن تحديات، سواء في خضم الحلقات القادمة من “مسلسل وباء كوفيد 19″، أو في ما سيأتي بعده، علينا أن نطرح ؤبسرعة أسئلة كبيرة و نبحث لها عن أجوبة تعيننا على تصحيح الإختلالات و تصويب المسار.

والأسئلة هي :
– كيف وصلنا إلى حالة تواصل مجتمعي يتميز بديناميكية شبه معطلة ؟
– أليس ذلك نتيجة طبيعية لغياب استراتيجية تواصلية شاملة و واضحة منذ البداية؟
– أليس ذلك بسبب اختيارنا آليات تواصلية غير مجدية، و الرهان على “حملة رسائل تواصلية” لا يؤثرون في أحد و لا يثق فيهم إلا القليل ؟
– أليس ما نحن فيه من شبه عجز عن تمرير الخطاب التوعوي هو نتيجة، أيضا، لسنوات من اللامبالاة التي قبلنا فيها الصمت عن التسفيه و اعتماد الارتجال و القبول بالشعبوية؟
– ألا يساهم في ما نحن فيه الآن، “نجاحنا الباهر” في أن تصبح لدينا هيئات وساطة سياسية واجتماعية غير قادرة على التأثير في المواطنين، و غير مسموعة من طرفهم، بل غير موثوق فيما تقوله وتصرح به ؟

الأسئلة كثيرة و حارقة. بعضها يتجاوز اللحظة الراهنة و يستحق أن يدخل ضمن مجهود التفكير الاستراتيجي حول النموذج التنموي الجديد الذي ننشده لبلادنا. ولكن، تبقى الحكمة هي أن نتوصل إلى سبل تمكننا من الخروج من حالة تعطل التواصل المجتمعي التي، أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها غير صحية و غير مطمئنة بالنسبة لما يستوجبه المستقبل من يقظة مجتمعية مطلقة و من ثقة في المؤسسات.

زر الذهاب إلى الأعلى