هل يقلب انفجار بيروت الموازين السياسية في لبنان؟
أعاد الانفجار الضخم، الذي وقع الثلاثاء في مرفأ بيروت وهز العاصمة اللبنانية، مطالب التغيير والديمقراطية ورحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد إلى الواجهة. كما أعاد الدعوات إلى تفكيك سلاح حزب الله الذي بات اليوم لاعبا رئيسيا وأقوى طرف سياسي في البلاد التي تتخبط في أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
وقع انفجار مرفأ بيروت غير المسبوق من حيث حجمه في تاريخ لبنان، في وقت تواجه فيه الطبقة الحاكمة غضبا شعبيا ونقمة لعجزها عن إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة.
وليل الخميس-الجمعة، اندلعت مشادات في وسط بيروت بين عشرات المحتجين والقوى الأمنية التي منعتهم من التقدم باتجاه مقر البرلمان، في أول تحرك لهم بعد الانفجار الضخم.
ويطرح العديد من المراقبين داخل البلاد وخارجها سؤالا جوهريا حول إمكانية أن يسرع هذا الحادث المأساوي مطالب الإطاحة بالحكومة، وحول إحيائه للاحتجاجات الشعبية التي حدّ تفشي فيروس كورونا متبوعا بالانهيار الاقتصادي من وتيرتها.
مطالبة #الأمم_المتحدة أو #جامعة_الدول_العربية تشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية لكشف ملابسات وأسباب الكارثة التي حلّت في #لبنان و #مرفأ_بيروت يوم أمس، ومواقف أخرى في البيان الذي صدر بعد اجتماع رؤساء الحكومات السابقة. pic.twitter.com/lL8lXP4NoK
— Saad Hariri (@saadhariri) August 5, 2020
وتطرح تساؤلات حول احتمال أن يكون للانفجار نتائج معاكسة لناحية تثبيت السلطة المدعومة بشكل رئيسي من حزب الله.
التداعيات على حكومة حسان دياب
أبصرت حكومة الرئيس حسان دياب النور مطلع العام الحالي، بوصفها تضم اختصاصيين. لكن سرعان ما تبين نفوذ الطبقة السياسية داخلها خصوصا حزب الله، المدعوم من طهران وحليفه التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشال عون. ولم يتأخر بعض حلفائه في التهديد بسحب وزرائهم عند التباين حول إدارة بعض الملفات.
وينتقد طيف واسع من اللبنانيين أداء الحكومة التي لم تنجح بعد في تنفيذ إصلاحات ملحة يشترط المجتمع الدولي وصندوق النقد إجراءها مقابل الحصول على دعم خارجي.
وفي تغريدة نشرها عبر تويتر رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، دعا الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية لكشف ملابسات وأسباب الكارثة.
وأعلنت سفيرة لبنان لدى الأردن تريسي شمعون استقالتها من منصبها “بسبب الإهمال واحتجاجا على ما حصل في بيروت” حسبما نقلته وسائل إعلام لبنانية.
وقبل أيام، استقال وزير الخارجية ناصيف حتِّي، الدبلوماسي المخضرم، لتعذر قيامه بواجباته وغياب إرادة حقيقية للإصلاح، وفق قوله. حتى أنه ألمح إلى وجود مرجعيات عدة داخل الحكومة تتحكم في أدائها. وشكلت الاستقالة ضربة جديدة للحكومة برئاسة حسان دياب.
ودعا الوزير السابق وئام وهاب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الكتل النيابية. واعتبر في تغريدة نشرها عبر تويتر أن هذه الحكومة هي “المخرج الوحيد فيما السفينة تغرق بالجميع”. على حد قوله.
لكن فاجعة الانفجار أسهمت في كسر عزلة الحكومة الدبلوماسية التي لم يزر رئيسها أي دولة منذ تعيينه كما جرت العادة، خصوصا الدول الخليجية المناوئة لإيران. وقد أدت إلى بدء تدفق مساعدات خارجية للمساهمة في تجاوز محنة الانفجار الذي أودى بحياة 137 شخصا على الأقل وتسبب في جرح ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص، إلى جانب عشرات المفقودين وتشريد نحو 300 ألف من منازلهم.
من جهته، سارع وزير الخارجية الجديد شربل وهبي إلى التأكيد لقناة الجديد المحلية الخميس أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت تعني أن “لبنان ما زال يحظى بتضامن وعطف الدول”.
وفي السياق، قالت مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى “في أي بلد آخر، كانت الحكومة لتستقيل” عقب انفجار تداعياته كارثية إلى هذا الحد وأكد دياب أنه نجم عن تخزين 2750 طنا من نترات الأمونيوم. مضيفة “مجرد وجود كمية بهذا الحجم من نترات الأمونيوم مخزنة في مرفأ بيروت من دون إجراءات احترازية يشكل إهمالا جرميا”.
لكن وفي ظل الاستقطاب السياسي الحاد وصراع النفوذ في الشرق الأوسط خصوصا بين الولايات المتحدة وإيران، فإن عرابي الحكومة اللبنانية سيعملون على الأرجح لضمان عدم سقوطها، مهما كلف الأمر.
هل “ينتفض لبنان” مجددا؟
وقال الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار “رغم الغضب العام (..) ليس مرجحا أن نرى استقالة فورية للحكومة في هذه المرحلة، طالما أنه ما من بديل واضح” خصوصا أن خصوم الحكومة في مرمى اتهامات المتظاهرين ولا يحظون بثقتهم على الإطلاق.
وفي صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، كتب الباحث فيصل عيتاني أن “الكارثة، بشدتها الاستثنائية، هي كالعادة في لبنان نتيجة أعمال تجارية”. وتابع أن “ثقافة الإهمال والفساد وتبادل اللوم متجذرة في البيروقراطية اللبنانية بإشراف طبقة سياسية معروفة بعدم كفاءتها وتحقيرها للصالح العام”.
وكانت موجة احتجاجات ضخمة غير مسبوقة في لبنان قد اندلعت في 17 أكتوبر/تشرين الأول واستمرت أشهرا عدة، دعا خلالها المحتجون إلى رحيل الطبقة السياسية الحاكمة مجتمعة المتهمة بالفساد والهدر والعجز عن إيجاد حلول للأزمات المتعاقبة تحت شعار “كلن يعني كلن”.
لكن الاحتجاجات تراجعت تدريجيا بعد تشكيل دياب لحكومته، ثم بدء انتشار فيروس كورونا، من دون أن تتوقف التحركات المطلبية الرمزية أمام مؤسسات الدولة ومصرف لبنان، آخرها محاولة متظاهرين قبل أيام اقتحام وزارة الطاقة احتجاجا على انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.
وفي السياق، قال بيطار أستاذ العلاقات الدولية في باريس وبيروت إن “الفيروس وفر فترة استراحة للسلطة”، لكن انفجار المرفأ قد “ينفخ الروح مجددا في الثورة”. معربا عن اعتقاده بأن “اللبنانيين سيكونون اليوم أكثر تصميما على محاسبة الطبقة السياسية، الفاسدة حتى النخاع”.
وتوقع بيطار هنا أن تكون الموجة الثانية من الاحتجاجات الشعبية “أكثر قسوة من المرحلة الأولى، وستنزلق نحو العنف”.
كما رأت مهى يحيى بدورها أنه إذا كان الانفجار سيدفع المتظاهرين إلى التصعيد مجددا تحت شعار “كلن يعني كلن”، فإنه أيضا “قد يدفع بالكثيرين” إلى اختيار طريق المنفى بحثا عن بداية جديدة.
التداعيات على حزب الله
دعا حزب الله اللبنانيين والقوى السياسية كافة إلى “التضامن والوحدة” لتجاوز “الفاجعة الأليمة”. وأعلن تأجيل خطاب أمينه العام حسن نصر الله الذي كان مقررا مساء الأربعاء.
وفي هذا الشأن، قالت مهى يحيى “سيخضعون هم أيضا للمسائلة، لأنهم جزء لا يتجزأ من النظام الحاكم”، وأشارت إلى اتهامات حول نفوذ الحزب في إدارة المرفأ أو “التهريب عبره” على الأقل.
ويعتبر حزب الله لاعبا رئيسيا والطرف السياسي الأقوى في البلاد، ولطالما شكل تفكيك سلاحه عنوانا خلافيا بين القوى السياسية ومطلبا لواشنطن، التي تصنفه منظمة “إرهابية”.
وفي الآونة الأخيرة، تفاقم الغضب الشعبي على حزب الله في لبنان، خصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
وبات الحزب أمام استحقاق مصيري، إذ كان من المفترض أن تنطق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الجمعة بالحكم في حق أربعة متهمين من الجماعة الشيعية المدعومة من إيران، في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، قبل أن تعلن تأجيل الجلسة إلى 18 غشت “احتراما لضحايا” الانفجار.
ويرجح بيطار أن يثير صدور الحكم “بعض التوترات على الأرجح” بين مناصري حزب الله، الذي ينفي أي تورط لعناصره بالاغتيال ولا يعترف بالمحكمة الدولية، ومؤيدي الحريري الذين ينتظرون منذ 15 عاما هذه اللحظة.
من جهته، اتهم بهاء الدين، نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري، حزب الله بالسيطرة على ميناء ومطار بيروت، وفق ما نقلت وسائل إعلام لبنانية الجمعة.
وقالت قناة المنار التابعة لحزب الله، إن أمينه العام حسن نصر الله سيلقي الجمعة عند حدود الساعة الخامسة والنصف عصرا خطابا حول آخر التطورات، من المرجح أن يخصص لانفجار مرفأ بيروت، وموقف الحزب من مطالب التحقيق الدولي في الحادث الذي روّع اللبنانيين والعالم على حد سواء.
المصدر: الدار- أف ب