الدار/ رضا النهري:
على ضفاف مضيق جبل طارق تتجمع المتناقضات، الفقر والغنى، الطبيعة الخلابة والتهريب المقرف، المليونيرات في يخوتهم الفارهة والفقراء في “باطيراتهم” التي تشبه التوابيت، السياح الثملون من الشراب والسهر والمافيا الساهرة على ترصد فرائسها..
قد تكون هذه المقدمة هي خلاصة الرواية الجديدة للكاتب الفرنسي الأسكتلندي، بيتر ماي، الذي أصدر روايته الجديدة “موعد في جبل طارق”، لكي يرسم خطوط حكاية تجمع بين متناقضات كثيرة، وخصوصا تناقض الرومانسية والجريمة.
تبدأ الحكاية من خلال جريمة قتل غامضة في يخت فاره في ميناء مطل على مضيق جبل طارق، وبما أن الضحية من جنسية أجنبية، فهذا ما سيمهد للقاء بدا عابرا في البداية، بين شرطية إسبانية، كريستينا سانشيز، وبين محقق بريطاني يدعى جون ماكنزي.
ولأن عنوان الرواية يحمل اسم هذا المضيق الأسطوري، جبل طارق، فإن الكثير من الأحداث تمتح من حاضر هذا البحر الذي يأسر الناس، ليس بطبيعته الخلابة فقط، بل بغموضه الذي يفوق كل تصور، وأيضا بتناقضاته المروعة والمثيرة.
حين يموت سائح غني في يخته الراسي على المضيق، فإن المؤلف، بيتر ماي، قد لا يبدو مهتما جدا بهذه الجريمة، التي تشبه الكثير من الجرائم الأخرى التي تحدث في هذه المنطقة، لكنه بدا مهتما أكثر بتناقضات المنطقة وصراع الشبكات الإجرامية من كل الجنسيات، حين يتداخل ما هو سياحي بما هو مادي ومافيوزي ورومانسي.
التحقيق في جريمة القتل سيكون البوابة التي يتم عبرها فتح أبواب تناقضات المضيق، وهي تناقضات ممتدة في التاريخ، منذ زمن مراكب طارق ابن زياد إلى اليوم، فالأحداث تتداخل والوقائع تتشابك، ولا يجد المؤلف وسيلة للفرار منها، ولو مؤقتا، سوى عبر بعض الهدوء الرومانسي في علاقة متنامية بين كريستينا وجون.
مع فصول الرواية، قد لا يبدو القارئ مهتما كثيرا بالكشف عن لغز الجريمة، لكن بالتأكيد سيكون مهتما باكتشاف الغاز وتناقضات مضيق جبل طارق، بعلاقاته المتشابكة بين جنسيات جاءت من كل مكان واعتبرت نفسها سيدة الزمان والمكان، وحتى قبل حل لغز الجريمة، يكون القارئ قد أشبع فضوله في استكشاف لغز المضيق.