ملف حمزة مون بيبي.. وفوضى المزايدات على سمعة الناس وحقوقهم
رغم أن القضاء الابتدائي بمدينة مراكش قال كلمته الأخيرة في حق المتورطين الرئيسيين في ملف الحساب الوهمي لحمزة مون بيبي، وصار حكمه عنوانا للحقيقة القضائية في هذا الملف، والتي تخضع مثلها مثل باقي الحقائق القضائية لآلية الطعون العادية والاستئنافية المقررة قانونا، إلا أن هناك من لازال يصر على تحميل هذه القضية أكثر من حجمها الطبيعي، وذلك عبر إعطائها تارة بعدا عابرا للحدود الوطنية، بإقحام الوطنيين والأجانب فيها، وتارة أخرى عبر سكب “بهارات” السياسة عليها من خلال الحديث عن تورط مفترض لشخصيات سامية سابقة وأخرى راهنة.
فإذا كانت المحكمة لم تحكم إلا بما راج أمامها في ملف حمزة مون بيبي، وهذه قاعدة أصيلة في القانون، فإننا نجد أن هناك من آثر أن يحكم على الناس بالشبهة وبما يعتمله خياله من أحكام مسبقة في تجاوز صارخ لما راج حصريا أمام المحكمة. وهكذا، ففي الوقت الذي حددت فيه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية جردا كاملا بالمتورطين المباشرين والمساهمين والمشاركين في هذه القضية، وأعدت فيه النيابة العامة مسحا شاملا للتهم الموجهة إليهم، نجد أن بعض المدونين اختاروا التوسع والاجتهاد في توجيه التهم بغير دليل، وانبروا يتحدثون عن تواطئات مزعومة لشخصيات لم يتم ذكرها نهائيا في محاضر الضابطة القضائية، ولا في محاضر استنطاق النيابة العامة، ولا حتى في حيثيات مقررات هيئة الحكم.
وهنا نتساءل بصوت مسموع: من أين يستقي أصحاب هذه التهم الفضفاضة معلوماتهم القضائية في هذا الملف؟ فإذا كان محضر الشرطة القضائية لم يشتبه في أية شخصية عربية أو موظف سابق في البروتوكول الملكي، فلماذا يصر إذن البعض على التراشق بالتهم خارج صك المتابعة الذي حددته النيابة العامة؟
فالثابت قانونا أن منظومة القانون الجنائي تتبنى قواعد تشريعية دقيقة وحازمة، لأنها تتعلق بحريات وحقوق الناس. لذا نجدها تحتكم إلى مبادئ أساسية من قبيل “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، و” شخصية العقوبة” و “عدم التوسع أو القياس في الاستثناءات”…، بيد أن بعض التدوينات المطولة الصادرة مؤخرا في ملف حمزة مون بيبي اختارت تقويض كل هذه المبادئ الأساسية للقانون، وشرعت في رجم الناس بالغيب، وتوريط من تشاء وتبرئة من تحب في غفلة من صلاحيات رئاسة النيابة العامة وقرارات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
هي فوضى: هكذا يمكن وصف ما يكتب حول تورط زائف ومزعوم لشخصيات عديدة في هذا الملف، كان آخرها جواد بلحاج، الذي آثر للأسف، مثل الكثيرين، الصمت من باب الحكمة ترجيحا، بيد أن التراشق بالتهم الكاذبة خارج ردهات المحاكم كان يفترض أن يواجه بالقانون الذي حدد مساطر عديدة وموجبات متعددة للانتصاف القانوني والاقتصاص القضائي.
فمن غير المقبول ولا المستساغ أن يتصرف البعض كثيرا في طبيعة وأدوار المنصات التواصلية ليجعل منها “منجنيقا” يرجم به الناس بالتهم الثقيلة على مرمى ومسمع من سلطات إنفاذ القانون. ومن غير المشروع أيضا أن تصبح سمعة الناس في يد العابثين يرشقونها بثهم ثقيلة دون أي يكون هناك رادع أخلاقي ولا زاجر قانوني.
فالنشر والتدوين الافتراضي في الشبكات التواصلية له هامش واسع وتقييدات ضيقة، لكن هذه التقييدات تزداد توسعا كلما استهدف النشر سمعة الناس وحرياتهم مثل ما وقع مؤخرا في ملف حمزة مون بيبي.