ماذا جنت الجزائر من دعم الانفصال في الصحراء؟
الدار / افتتاحية
على بعد أسبوعين من افتتاح الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة تجد الجزائر نفسها أمام حقيقة دورها في اختلاق نزاع الصحراء وتأجيجه على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن. وخلال هذه الفترة الطويلة أنفقت الجزائر، التي تعيش اليوم أزمة سيولة خانقة، ملايير الدولارات من ثروات الشعب الجزائري وخيراته على معاداة الوحدة الترابية للمغرب ودعم شرذمة الانفصاليين في محاولة يائسة لصنع دويلة وهمية. ماذا جنت الجزائر بعد كل هذه المؤامرات الممتدة في الزمان والمكان والتي كلفتها ميزانيات هائلة؟
الجواب نجده في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي رفعه هذه الأسبوع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وطالب فيه مجلس الأمن ببحث قضية الصحراء المغربية باعتبارها نزاعا إقليميا، بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات. لم تُجد كل الدعايات الجزائرية في إفريقيا والعالم، وتحريك الحقائب نحو اللوبيات هنا وهناك في تبرئة الجزائر من ورطة التدخل غير الإيجابي في هذا النزاع المفتعل، لتجد نفسها اليوم مطالبة من كل الأطراف وعلى رأسهم الأمم المتحدة بالعمل بشكل بناء مع المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي حسب ما ورد في التقرير.
وبينما ركز أنطونيو غوتيريس في تقريره على الحل السياسي ومرجعياته من قرارات مجلس الأمن السابقة، لم يفته أن يذكر الجزائر بأن لها دورا في الحفاظ على الاستقرار والأمن يجب أن تلعبه في هذه القضية من أجل الخروج بحل نهائي ودائم. هذه الدعوة الأممية الرسمية تحرج عسكر الجزائر الذين حاولوا باستمرار ادعاء براءتهم من تفاعلات هذا النزاع واعتبار تدخلهم يقتصر فقط على استقبال اللاجئين الصحراويين على أراضي الجزائر. لكن ما ورد في التقرير ينطوي على اتهام ضمني للجزائر بمسؤوليتها المباشرة والتاريخية في اختلاق هذا النزاع وتأزيمه بل واستدامته لهذه العقود الطويلة من الزمن.
واليوم تعيش الجزائر على صفيح ساخن. هناك حراك شعبي لا يكاد يتوقف حتى ينطلق من جديد، وأزمة سيولة مالية غير مسبوقة قضت على أحلام سنوات “البحبوحة” النفطية، واقتصاد منهار أو شبه منعدم في بلد لا يصدر شيئا إلا براميل البترول والغاز، إضافة إلى أزمة هوية عميقة تنخر الشعب المشتت بين ارتباطه التاريخي بالمستعمر الفرنسي، وجذوره الأمازيغية والعربية. ويتجاهل عسكر الجزائر كل هذه الصورة المقلقة لينشغلوا من جديد بدعم الانفصال والإنفاق عليه من موارد الجزائريين، فقط نكاية في المغرب والمغاربة، وسعيا إلى تصدير الأزمة الداخلية نحو الخارج، وتعليق كل نتائج الفشل على مشجب المؤامرات الخارجية.
وعلى الرغم من التضحية ببعض رموز النظام السابق بعد انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، فإن العسكر تشبثوا بخيار معاكسة الوحدة الترابية للمغرب كاستراتيجية لا تراجع عنها. وهذا من أكبر الأدلة على أن التغيير الذي حصل مؤخرا في الجزائر ليس سوى تغيير للأشخاص وليس للنظام. فالعداء للمغرب ولوحدته يعد من ثوابت السياسة الخارجية للنظام العسكري في الجزائر. لكن الذي يتجاهله هذا النظام بغبائه السياسي الواضح هو أنه كلما تورط أكثر في تأجيج نزاع الصحراء من خلال بيادق “البوليساريو” كلما زادت ورطته الداخلية أكثر. فالمغرب لم يعد يلتفت إلى ما تقوم به الجزائر من جهود دبلوماسية بعد أن استطاع محاصرتها في القارة الإفريقية على الخصوص، ونجح في مواجهتها وإحراجها أمام القوى العظمى. بل إن إصرار الجزائر على التورط أكثر في هذا النزاع المفتعل أصبح أمرا محرجا لجنرالات قصر المرادية، بعد أن شاع في الأوساط الشعبية والسياسية ذلك الوعي الذي كان مقموعا في السابق بأن تدخل الجزائر في الوحدة الترابية للمغرب يحدث على حساب مقدرات الجزائريين ومن جيوبهم.