هل تستغل الحكومة جائحة كورونا لإقبار قانون الإثراء غير المشروع؟
لا يوجد مشروع قانون تعرض للتأخير والتأجيل والبلوكاج أكثر من مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع، المندرج في إطار تعديل القانون الجنائي. فهذا القانون يراوح مكانه منذ 2016 ليسقط من جديد هذا الأسبوع في بحر العراقيل التي لا تنتهي. آخر هذه العراقيل هي مطالبة ثلاثة فرق برلمانية تنتمي للأغلبية البرلمانية لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بتأجيل وضع التعديلات على مشروع قانون رقم 10.16، يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، التي حددت اللجنة أول أمس الجمعة كآخر أجل لوضعها.
فحتى بعد وضع آخر الآجال لتقديم التعديلات لم يسلم هذا القانون المثير للجدل من العرقلة التي يبدو أنها بدأت تخرج من دائرة الخلاف السياسي إلى دائرة المعارضة الصريحة لما يتضمنه هذا النص من إجراءات تدعم شفافية الذمم المالية للمسؤولين والمنتخبين بالأساس. فما الذي يخشاه نواب الأمة في هذا النص القانوني الذي يفترض أن يساهم في حماية المال العام من العبث به؟ وجاء طلب التأجيل الرسمي من فرق التجمع الدستوري والحركي والاشتراكي ليجمد التعديلات التي كانت منتظرة ويدخل القانون في دوامة النسيان مرة أخرى. والظاهر أن الحكومة هي التي تدعم من خلالها فرقها البرلمانية هذه العرقلة. ولم يتخلف فريق العدالة والتنمية المنتمي كذلك للأغلبية عن ركب المعرقلين عندما وضع تعديلاته مع اشتراطه ضرورة الاحتفاظ بالصيغة الحكومية فيما يخص مواجهة الإثراء غير المشروع.
وبعد أن تأخر إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود لسنوات، إما بسبب الروتين الإداري التشريعي أو بسبب الخلافات حول الصيغة النهائية لنصوصه ومواده، جاءت جائحة كورونا لتتحول بدورها إلى مبرر لطلب تأجيل إجراء التعديلات اللازمة على القانون. وهذا المبرر هو الذي قدمته الفرق البرلمانية التي طلبت التأجيل بسبب غياب برلمانييها عن المجلس. وتثير هذه المبررات المقدمة التساؤل مجددا حول الأسباب الحقيقية لتأخر هذه النص الذي يضم تعديلات تمس قضايا مجتمعية مختلفة كالإجهاض والجرائم وحماية المال العام. ونظرا للقضية الخلافية الرئيسية المتمثلة في بنود تجريم الإثراء غير المشروع التي تضمنها يبدو أن هذا التعديل سيدخل مجددا ثلاجة اللجان البرلمانية في انتظار ولاية تشريعية أخرى.
لكن المخاوف التي تحيط اليوم بهذا القانون هي أكثر من التأخير أو التأجيل، بل تصل إلى درجة التوجس من إقبار هذا القانون وإلغاء هذه التعديلات بالمرة. فالظاهر أن جل الفرق البرلمانية، بما في ذلك فرق المعارضة، لا يروقها أن تصدر تعديلات كهذه التي تحصن المال العام وتفرض على سبيل المثال عقوبات سجنية على المتلاعبين بالمال العام، أو فرض غرامات مالية كبيرة على كل من يثبت زيادة كبيرة وغير مبررة في ذمته المالية بعد توليه منصب مسؤولية عمومية.
وسبق أن ظهرت خلافات بين الفرق البرلمانية حول تجريم الإثراء غير المشروع بين من يدعو إلى اتخاذ عقوبات محدودة تعتمد الغرامات التصالحية وبين من دعا إلى تشديد العقوبات السجنية. وبدا من خلال الأخذ والرد أن نوايا تعطيل وتأجيل المصادقة على هذا التشريع الذي من المفترض أن يحمي المال العام هي الغالبة، وهو الأمر الذي دفع منظمة ترانسبارانسي الدولية قبل شهور إلى انتقاد البرلمان وتقاعسه في تبني مشروع القانون الذي يهم بالأساس الموظفين المكلفين بمهام رسمية، داعية إلى ضرورة تضمينه عقوبات بالسجن في حق الأشخاص الذين يثبت اختلاسهم أموال عمومية.