الرأيسلايدر

نريدهم أن يتعلموا ويظلوا سالمين لنهاية السنة الدراسية!

بقلم : يونس التايب

بالنظر إلى ما فرضته جائحة كورونا، طـرح مـوضـوع الدخـول المـدرسـي إشكـالات حقيقيـة عبر العالم. وقد تقرر في دول كثيرة اعتمـاد التعليم عن بُعـد، بشكل رسمي خلال كامل الموسم الدراسي الجديد، وتم اتخـاذ ترتيبـات مادية ولـوجيستيكية مهمة لضمان حقوق كل التلاميذ في التعلم والتكوين. فيما اتخـذت دول أخرى قرارا بإتاحة التعليـم الحضوري بالمـدارس مع اتخاذ تدابير صارمة لفرض التباعد الجسدي بيـن التلاميـذ وتعزيز شروط الوقاية. أمـا في الـدول التي لـم تتأكد من أنها تستطيع إنجاح التعليـم عن بُعـد، أو تضمن شـروط حفـظ سلامة الأطفـال، فقـد تقـرر تأجيل انطلاق المـوسم الـدراسي لمـدة معينـة.

من المؤكد أن كل الاختيارات تحتمل نقط قوة ونقط ضعف، ولايبدو أن شيئا سيضمن استمرار السير على نفس النهج من بداية الموسم الدراسي إلى نهايته، خاصة بالنسبة للبلدان التي اختارت التعليم الحضوري، حيث سيفرض ارتفاع العدوى أو ظهور بؤر جديدة لفيروس كورونا في المؤسسات التعليمية، وقف التعليم الحضوري والعودة إلى التعليم عن بُعـد مرحليا. حدث هذا في عدد من المؤسسات التعليمية بفرنسا، وهنالك نقاش في هذا الاتجاه في بعض الجهات بألمانيا، منذ يوم الأربعاء الماضي. وربما يمتد الجدل في الموضوع إلى دول أخرى.

في بلادنا، اتخذت وزارة التربية الوطنية قرارها بعـودة التلاميـذ للأقسام في يوم 7 شتنبر 2020، دون أن يكون حول القـرار إجماع لأنه لم يأت مصحوبا بما يطمئن الأسر بخصوص الحيثيات التنفيذية ويخفف من الارتباك بسبب غياب حلـول لإكـراهات تربوية ولوجيستيكية ومادية وصحية مطروحة بقوة، خاصة أن الجميع مقتنع باستحالة تحقيق فعالية التعلم عن بُعـد، وفي نفس الوقت قلق من وجود مخاطر في حالة التعليم الحضوري بسبب الوضعية الوبائية وإمكانية انتقال العدوى.

ومع ما لوحظ من تصاعد لحـالات الإصابة بالفيـروس خـلال الأسبـوعين الأخيـرين، وتحطيم الرقم القياسي الوطني بتسجيل رقم 2234 حالة جديدة للإصابة بفيروس كورونا، في ليلة الدخول المدرسي المبرمج الإثنين، وبالنظر إلى ما يبدو أنها حالة ارتباك حقيقي بين مؤسسات تعليمية توجد في مناطق بؤر وبائية، لن تفتح أبوابها لاستقبال التلاميذ، ومؤسسات خاصة أعلنت تأجيل الدخول لأيام، وبين وضعية تعليم حضوري سيفرض تكدسا على اعتبار أن أكثر من ثمانين بالمائة من الأسر اختارته لعدم إيمانها بالتعليم عن بُعـد، لا أستطيع منع نفسي من طرح سؤال حول سبب رفض تأخير انطلاق الموسم الدراسي شهرا واحدا، حتى نتأكد من إعادة التحكم في الوضع الوبائي ونضمن انطلاقة في ظروف تكون فيها الثقـة والطمأنينة قد تعززت لدى المواطنين؟

ما الذي يجبرنا على الدخول في ارتباك تربوي وتدبيري للمؤسسات التعليمية، سيكون محفوفا بمخاطر انتشار واسع للوباء بسبب تحرك التلاميذ بين مدارسهم وأحيائهم، عوض أن نتريث ونستمر في رصد الأثـر الإيجـابي للإجـراءات التي اتخذتها السلطات العمومية مؤخرا بفـرض رقـابة أكثـر صرامة على عـدد من الفضاءات الخدماتية والتجارية التي كانت تتيح التجمعات من قبل، في مجهود كبيـر لأطر الإدارة الترابية والإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والقـوات المساعـدة؟

ألم يكن الأجدى هو استثمار مدة شهر إضافي كي نركـز جهـودنا التواصلية بشكل ناجع، ونستثمـر الـواقـع الذي لاحظناه مباشرة بعـد الرسالة التـوعـويـة التي حملها الخطـاب الملكي السامي بمناسبة عيد ثورة الملك والشعب، ومن تجلياته تجدد وعي المواطنين بإجراءات الوقاية، وعـودة احتـرام وضع الكمامات، والتباعد الجسدي وتجنب التجمعات؟

أليس الأفيـد هو أن نمنح أكاديميات التربية والتكوين فرصة اتخاذ ترتيبات لوجيستيكية إضافية، سواء بغرض توفير شروط التباعد الجسدي وشروط ضمان الوقاية للتلاميذ والأساتذة والأطر التربوية والإدارية، في حالة التعليم الحضوري، خاصة بالمدارس التي تعرف عجزا في بنيتها وتجهيزاتها الصحية (مراحيض / ماء صالح للشرب)، واتخاذ ترتيبات إضافية بتعاون مع السلطات المحلية ومع المجالس المنتخبة، للتأكد مـن توفـر غالبية التلاميذ، خاصة في العالم القروي وفي المجالات الجغرافية الفقيـرة، على الحد الأدنى من شروط الـدراسة عن بُعد، من ربط بالأنترنيت ولوجيستيك معلوماتي يفي بالغـرض؟

هذه التساؤلات تؤكد لي أن علينا أن لا نتسـرع، وأن نحـرص على تعـزيـز التفاعـل الإيجابي للمواطنيـن مع خطوات تدبير الأزمة والجائحة، ولا نستهين بحاجتنا إلى مزيـد من مجهـود التوعية وإبداع أشكال تواصلية جديدة تستهدف التلاميذ والشباب بشكل أكبر، قبل تركهم يعودون للمدارس والمعاهد.

لكن، أما وقرار استئناف الدراسة يوم الاثنين 7 شتنبر، قد أصبح أمرا واقعا، فليس أمامنا إلا أن نلتمس اللطف كي تمر الأمور في جو من الانضباط والتعاون بين الأسر وبين المؤسسات التعليمية حتى نضمن السلامة للجميع، لأن صحة وحياة أبنائنا هي ما يهمنا جميعا.

في هذا السياق، أثار انتباهي رسم كاريكاتوري منشور في غلاف مجلة فرنسية، يظهر فيه تلميذ وتلميذة يتوجهون للمدرسة وهم يحملون على ظهورهم ثابوث الموتى عوض المحفظة، وإلى جانب الصورة سؤال ثقيـل المعنى: “هل سينهون السنة؟”. بمعنى “بعـد عودتهم لاستئناف الدراسة، هل سيظل التلاميذ أحياء حتى نهاية الموسم؟”. المهم في السؤال أنه يحمل تعبيرا عن فكـرة مُبطنة، هي من أقـوى أسباب القلق والخوف من الدخول المدرسي وما قد يحمله لا قدر الله.

ولا شك أن السؤال فيه استفـزاز للخيال الجمعي بشكل يستوجب روح المسؤولية وعـدم التصلب في الرأي في نقاش مسألة تهم ملايين الأطفال الذين يستحقون أن لا نتسرع في اتخاذ قرارات دون التأكد أنها لا تمس سلامتهم أو حياتهم. بذلك، سنؤكد أننا نحترم حق كل أب وأم أن يروا أبنائهم أحياء حتى نهاية الموسم الدراسي وبعده.

بدون شك أن الحياة يجب أن لا تتوقف بسبب الوباء، وأن علينا أن نأخذ بالأسباب الوقائية ونتأقلـم مع الوضع، ونتعايش مع الفيروس لأشهـر أخرى، وربما لسنة إضافية، في انتظار ظهور دواء أو لقاح فعال. لكن، لماذا كل هذا الرفض لفكرة أخذ حيز زمني إضافي بسيط لنحسم نهائيا فيما إذا كان الأجدى أن نعتمـد التعليم حضوريا مع احترام ضوابط الوقاية، أو أن نعتمـد التعليـم عن بُعـد مع توفيـر شروطه التربويـة والتأطيـرية والتقنيـة واللوجيستيكية الواجبة، أم نجمع بين الأمرين وفق شروط تربوية معينة واضحة، بعد أن نكون قد حاصرنا الوباء مجددا، واحتكمنا في اختياراتنا لمعايير صحية واضحة ؟

أليس المهم، كيفما كان اختيارنا لطريقة التعليم، أن نلتـزم بقاعـدة المساواة في الحقـوق بين كل أطفـال المغرب كيفما كانت مستوياتهم الاجتماعية ومناطق تواجدهم، حتى يستفيد الجميع من الحق الدستوري في تعليم ذي جودة يحقق الإدماج المعرفي والثقافي؟ هل هنالك من له اليقين أن هذه القاعدة ستكون محترمة في ظل ما نحن فيه من تدابير ؟

بدون شك، حساسية الوضع الوبائي تترك الباب مفتوحا أمام احتمال تسجيل انتكاسة جديدة بشكل أكبر. لذلك، المفروض أن نلتزم جميعا بأعلى درجات ضبط النفس، ونتجرد من أي حسابات إلا ما كانت فيه مصلحة المواطنين، وأن يتعاون كل الفاعلين لتضييق مسببات التوجـس من الـدخـول المـدرسي وتعزيز الثقة لدى المواطنين في أن كل شيء سيتم بشكل يحمي مصالح أبنائهم وسلامتهم الصحية، ويحفظ المنظومة التعليمية الوطنية، العمومية والخاصة، من أي ارتباك.

يجب أن يبقى الهدف الأول هو أن يتعلم أبنائنا ويظلوا أحياء، هم وأساتذتهم خلال السنة الدراسية. لذا، علينا أن نستحضر جيدا السؤال المُزعـج للمجلة التي تحدثت عنه أعلاه “هل سيُنهـون السنـة؟”. وكي نبلور جوابا مشرفا، على كل منا أن يفكر كما لو أن له أسرة من ثمانية ملايين طفـل، يـؤطرهم تربويا نساء ورجال يستحقون الدعم والمساندة، وأن نقوم بمجهود جماعي لإيصال “سفينة الموسم الدراسي” إلى بـر الأمان، لنحتفل شهر يوليوز القادم، بنهاية سعيدة لموسم كنا فيه استثنائيين ومتميزين بتشبثنا بروح المواطنة والغيرة الوطنية الحقة، ولم نتصلب لأراء قد تحتمل الخطأ وسوء التقدير.

زر الذهاب إلى الأعلى