لماذا سيعود عبد الإله بنكيران إلى قيادة الحزب؟
الدار / افتتاحية
“المناورة السياسية” تقف كسبب رئيسي من أسباب رفع مذكرة للمطالبة بعقد مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية. لا تمثل الأسباب الرسمية المعلنة المتعلقة بـ”تصحيح مسار الحزب وإجراء النقد والتقييم” إلا مبررات تنظيمية لا أقل ولا أكثر. إذ لا أحد يمكن أن يقنع المتابع للشأن السياسي أن أعضاء حزب العدالة والتنمية ساخطون على الأمين العام سعد الدين العثماني، وعلى أدائه في رئاسة الحكومة وتمثيل الحزب. هذا أمر ليس له سوابق ولا مؤشرات تدل عليه. فالبيجيدي الذي يؤمن بالانضباط الحزبي الصارم لمنتسبيه وأعضائه تحمل أعضاءه كامل مسؤولياتهم حين اتخاذ قرار استبدال عبد الإله بنكيران بسعد الدين العثماني على رأس الحزب.
لن نصدق إذا اليوم ونحن على بعد شهور من الانتخابات التشريعية التي ستحدد مصير الحكومة المقبلة أن ما يرفع من دعوات للنقد والتقييم وتنظيم مؤتمر استثنائي هو تفاعل وتدافع طبيعي لتيارات الحزب ومكوناته. بل نكاد نجزم أن الحديث عن التيارات داخل حزب إسلامي هو مجرد أوهام أو على أحسن تقدير مجرد موضة إعلامية. وإذا افترضنا صحة انشغال قواعد الحزب وقياداته بتدني شعبية الحزب واحتمالات تعرضه لخسارة انتخابية بسبب إصراره على رئاسة الحكومة رغم إعفاء بنكيران، فإن هذا يعني أن دعاة المؤتمر الاستثنائي لم يفهموا بعد الرسالة الأهم من تجربة رئاسة حكومتين على التوالي.
نقول هذا الكلام لأن بعض البيجيديين لا يزالون يؤمنون بأن عودة عبد الإله بنكيران إلى قيادة الحزب كفيلة باسترجاع الحزب لمكانته المهددة، وتبوئه لقمة السباق الانتخابي المقبل، بل وتحقيق ذلك التوازن المفتقد اليوم في مواجهة باقي الفاعلين السياسيين. هذه مجرد أوهام ومن يصدقها من الإسلاميين يدخلون لا محالة في خانة المغرر بهم. وكان الأحرى بهؤلاء أن يتساءلوا: ما الذي سينجزه عبد الإله بنكيران في حالة عودته إلى رئاسة الحزب ومنها إلى رئاسة الحكومة إذا تحققت أحلامهم؟
عليهم أن يكونوا متيقنين أن بنكيران الذي كان أكبر إنجازاته على رأس الحكومة هو التخفيف من أعباء الميزانية تجاه دعم المواد الأساسية، كان يتمنى أن يواصل هذه الإستراتيجية لإنقاذ الدولة كما يقول. وسيكون أول مشروع يسارع إلى تنفيذه هو تخليصها من “أعباء” دعم الغاز والسكر، ثم من البقية الباقية من “تكاليف” التعليم والصحة. هذا هو مشروع بنكيران الليبرالي الذي دافع عنه بشراسة ونفذه باجتهاد كبير عندما كان مسؤولا عن رئاسة الحكومة. هل يريد أنصار المؤتمر الاستثنائي إذا عودة هذا المشروع الذي يمثله.
هذه الدعوة التي يرفعها المحسوبون على “تيار بنكيران” مفارقة تماما للسياق التاريخي الذي نعيشه. لقد أعادت جائحة فيروس كورونا بعض الاتزان للعلاقة بين الدولة والمواطن، وأكدت بالملموس أن الأدوار التي يجب أن تلعبها أجهزة الدولة تعتبر محورية ولا بديل عنها. لا يمكن للقطاع الخاص سواء في التعليم أو الصحة أن يعوض دور الدولة التي استرجع المواطنون ثقتهم فيها باعتبارها كيانا راعيا وحاميا ومعيلا له وهذا يعني أن توجهات بنكيران في تدبير الشأن العام لم يعدل لها محل في ظل عالم يسير أكثر فأكثر نحو عودة الأدوار الاقتصادية للدولة.