لماذا نحتاج إلى شباب في الواجهة الإعلامية؟
الدار / افتتاحية
لا تخلو المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي من مساحات واسعة للتعبير الحر وانطلاق النقاشات بعيدا عن الرقابة أو التضييق. لقد انتزع نشطاء العالم الافتراضي حريتهم في طرح الأفكار والآراء السياسية على الخصوص، ولم تعد هناك أصلا أي إمكانية لتقييدها أو مراقبتها أو متابعتها. ولكن هذه المساحة الافتراضية الواسعة لم تستطع رغم كل ما تتيحه من إمكانات التعبير وهوامش التعليق أن تعوض تلك الحاجة الدائمة إلى المساحات الإعلامية التقليدية والواقعية. هناك دائما لدى أصحاب الآراء والمناضلين والسياسيين رغبة في ربط الاتصال مع الإعلام التلفزيوني والإذاعي، بالنظر إلى ما يمثله من مرجعية لكل المتابعين والمشاهدين سواء اتفقوا مع مضمونه الخشبي أو اختلفوا معه.
والظاهر أن هذه الحاجة إلى انتزاع موقع في الإعلام العمومي على الخصوص، لا يمكن أبدا تجاوزها بكل ما تتيحه شبكات التواصل الاجتماعي من إمكانات. أن يتابعك ألف أو مائة ألف أو حتى مليون على فيسبوك أو تويتر، إنجاز قد يحققه برنامج تلفزيوني في أمسية واحدة بأضعاف مضاعفة. ولأن الشباب هم أكثر الفئات إقبالا وتمكنا من وسائل الإعلام البديل أو الجديد، فإن استرجاعهم إلى واجهة الإعلام التلفزيوني والإذاعي التقليدي، ليس في مصلحتهم وحدهم، بل هو في مصلحة هذه المؤسسات الإعلامية التي تصارع من أجل البقاء في ظل عالم سريع التحول ومرهق بضرورات التأقلم. لقد استرجعنا هذه القضية ونحن نتابع في أمسية الثلاثاء الماضي على القناة الأولى الحلقة الأولى من برنامج “شباب في الواجهة” في نسخته الجديدة، والذي جمع بين شابين ينتميان إلى شبيبتين حزبيتين من الأغلبية والمعارضة.
وقد تساءلنا ماذا لو أصبح النقاش السياسي الساخن الذي دار في هذه الحلقة جزء من الروتين اليومي للإعلام السمعي البصري في بلادنا؟ ماذا لو تحولت جل الأمسيات في بداية الأسبوع إلى حلقات نقاش مفتوح وجريء وحر دون طابوهات أو محاذير أمام الشباب المغربي، ليعبر عن آرائه ومواقفه، فيما يجري ويدور من حوله؟ من المؤكد أن فسح المجال أمام الكفاءات الشابة لتصدر الواجهة في الإعلام العمومي وطرح القضايا ومناقشتها بكل حرية وانطلاق سيكون له الأثر البالغ في حل معضلة أساسية نعاني منها، وربما ستكون لها عواقب وخيمة في المستقبل، وهي ظاهرة العزوف السياسي الذي عجزت كل الإجراءات التشريعية والاجتماعية والسياسية في معالجته.
هذا العزوف، يستطيع برنامج أو برنامجان تلفزيونيان يتمتعان بالمصداقية والجرأة الكافية، أن يساهما بشكل مؤثر في الحد منه ويعيدا المعنى للسياسة ولممارستها. لقد طرح المتحاوران في حلقة برنامج “شباب في الواجهة” جانبا مهما عن مسؤولية الجميع في تكريس هذا العزوف، ومنه ذلك الإقرار الذي عبر عنه ممثل شبيبة حزب الاستقلال عندما اعترف بأن هناك أيضا عوامل ذاتية في طبيعة تاريخ الأحزاب السياسية وتكوينها وثقافتها يزيد من خطر العزوف السياسي، لكنه بالمقابل رفض توجيه الاتهام للأحزاب وحدها في ظل تضافر عوامل أخرى بنيوية.
برنامج مثل “شباب في الواجهة” يجب أن يتحول ونحن على أبواب موسم سياسي سيتوج بانتخابات تشريعية إلى واجهة يومية على غرار ما نتابعه في القنوات الأوربية المتخصصة في المادة الإخبارية وفي تحليلها ومناقشتها. وكم نحن في أمس الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى توسيع هذه المساحات، لأن ما ينقصنا فعلا، هو الجدل العمومي الحر والمتحرر، الذي لا تتكرر فيه وجوه ديناصورات السياسة وهياكلها القديمة، بل يبشر بجيل جديد من نخب الكفاءات التي يمكن أن ترفع تحديات مغرب ما بعد كورونا.