المواطن

الطلبة المكفوفون.. وضعية صعبة ناتجة عن عمى الضمائر لا الأبصار

p.p1 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 18.0px ‘Geeza Pro’}
p.p2 {margin: 0.0px 0.0px 0.0px 0.0px; text-align: right; font: 18.0px Times; min-height: 23.0px}
span.s1 {font: 18.0px Times}

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

 

وهن على وهن، ضعف وتهميش وإقصاء، هذه هي العبارات الشاملة التي تلخص مسارات دراسية يطبعها فقدان الأمل والخيبات المتوالية قبل الوصول إلى نهاية الطريق أو بالأحرى التخرج، إنه المسار الدراسي الذي يكاد يكون عصيا على الوصول إلى متمه والذي يدشنه أولئك الأبطال بقدر كبير من الصبر والعزيمة، إنهم المكفوفون.

يعتبر الطالب الكفيف الحلقة الأضعف في التكوين المهني أو الأكاديمي بالمغرب، بالنظر لغياب الولوجيات والإجراءات التميزية ذات الطابع الإيجابي التي تهدف إلى تذليل الصعاب لصالح هذه الفئات حتى يتمكنوا من خوض غمار التجربة التعليمية بنوع من السلاسة وفي ظروف إنسانية تسمح لهم بتحقيق الأهداف التي يطمحون إلى تحقيقها.

 

البطالة جزء من حياتهم

غير أن المعضلة التي تزيد الوضع سوءا، هي أن معاناة هذه الشريحة من المواطنين لا تقف عند حدود توالي الصعاب التي تحول دون إتمامهم للدراسة في أجواء إنسانية ومهنية كفيلة بتمتيعهم بحقوقهم كاملة حتى يتمكنوا من الحصول على شواهدهم في الوقت المحدد، إنما تتجاوز هذا الأفق بالكثير من الخطوات وهو الأمر الذي يخص مأساة البطالة التي تصبح بمثابة النتاج الفعلي لتراكم التحايل المستمر للدولة على القانون والذي ينتج في نهاية المطاف، اصطفاف هؤلاء الأشخاص المكفوفين من ذوي الاحتياجات الخاصة في عداد المعطلين الذي لا يجدون دخلا قارا يسدون به رمقهم اليومي.

لا يمكن أن تكتمل الصورة عن جسامة المعاناة التي تطال هذه الفئة دون تسليط الضوء على الظروف التي يمر بها الطالب الجامعي الكفيف وهو في سنوات التحصيل الجامعي، التي يصفها معظمهم بالسنوات العجاف خصوصا وأنهم يضطرون لتكبد المشاق في سبيل إتمام الدراسة، ولو أنهم يدركون أن الطريق لولوج سوق الشغل غير معبدة وتنتظرهم العديد من الصعاب، التي تشكل البطالة إحداها وأكثرها صعوبة.

يعتبر الحي الجامعي السويسي بالرباط الوجهة الرئيسية التي كان لزاما علينا التوجه إليها، في أفق الاطلاع على الحقيقة التي يمكن وصفها بالمزرية والتي تطال الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطلبة المكفوفين، أكثر من ذلك فإن هذه الحالة تطال حتى الجانب النفسي.

 

في لقاء خاص مع أحد الطلبة في شعبة الفلسفة بجامعة محمد الخامس، يحكي لنا بكثير من الحسرة والألم الظروف التي يصفها بالعصية كونه يتابع دراسته في ظل غياب الولوجيات التي يجب تفعيلها لخدمة الأهداف التي يصبو كل طالب إلى تحقيقها، كما يتضح أن الضرورات الأساسية لمتابعة الدراسة تكاد تكون منعدمة، وهو الأمر الذي يزيد وضعهم سوءا، غير أنه وعلى حد تعبير الطالب ذاته لا تعتبر عائقا يحول دون الحصول على شواهدهم التي يدفعون في سبيل تحصيلها الغالي والنفيس بغية بلوغها.

 

هي تحديات تتجاوز المتخيل

عن الحياة الجامعية يقول الشاب محمد العبيدي المنحدر من مدينة مكناس والذي يبلغ من العمر 24 سنة، إن التحديات والصعاب التي تطال حياتنا تكاد تتجاوز المتخيل، خصوصا وأننا نفتقر لأبسط شروط الدراسة، من قبل غياب القوانين التي تعطي أولوية السكن الجامعي، مشيرا أن العديد من الشباب المكفوفين ذكورا وإناثا منهم يشتكون من عوائق مرتبطة بالسكن، خصوصا وأنه لا يتم تمكينهم جميعا من السكن الجامعي، بل الصدف والحظ تكون هي الحكم في الكثير من الأحيان حينما تغيب الوساطات كما أوضح ذلك العبيدي وهو الأمر الذي ينطبق على حالته على حد تعبيره.

 

فقدان البصر قدر ربانيأما البطالة فلا

يشاطرنا العبيدي قصته الإنسانية التي كانت نتاجا فعليا لفقدان بصره، والتي تسببت في انقلاب حياته رأسا على عقب، كونه تعرض لحادثة وهو حديث السن، أردته طريح الفراش لمدة زمنية طويلة، بعدما تعرض لضرب مبرح من أبيه على مستوى الرأس، ليكون ذلك السبب الرئيسي وراء فقدانه البصر، الأمر الذي أدى إلى انقطاعه عن الدراسة التي استئنافها بعد حين، وبقدر كبير من الرضى ورحابة صدر، معتبرا الأمر قدرا ربانيا لا مفر منه يتوجب التعايش معه، غير أن الوضع الذي يعتبره العبيدي غير طبيعي ويحمل الكثير من النشاز بين ثناياه هو الوضع غير الإنساني الذي يتابع فيه الدراسة.

بلغة ثائرة وكثير من الحسرة والألم يتحدث العبيدي، عن المعاناة التي تقف حائلا دون متابعة دراساته العليا، لأنه غير حاصل على المنحة ومن ثم فقد وجد نفسه مضطرا للعمل في الفترات المسائية في إحدى المقاهي الشعبية حتى يتمكن من أداء التكاليف الدراسية الثقيلة الملقاة على عاتقه.

العبيدي يعتبر مجرد نموذج بسيط يؤشر على وجود مجموعة من الحالات الأخرى، التي تشكو التضييق وتشديد الخناق والتي تبذل قصارى جهدها في سبيل تخطي الصعاب والمعيقات التي تزيد الطين بلة، بل ويعتبرونها الإشكالية التي تؤرقهم، والتي تجاوزت في هولها وعظيم ثقلها فقدانهم البصر كونها نتيجة إهمال لقضاياهم التي عبثت بها أيادي البشر الذي أساء تدبير المهام الموكولة إليه.

نرمين عفيفي طالبة كفيفة تتابع دراستها في سلك الدكتوراه في علم الاجتماع، تشكو هي الأخرى العديد من المشاكل التي تقف عائقا يحد من قابليتها على الاشتغال أو متابعة دراساتها العليا، الأمر الذي اضطرها للخروج للعمل في إحدى القطاعات غير المهيكلة التي فضلت عدم الإفصاح عنها، في سبيل توفير الحاجيات الكفيلة بإتمامها الدراسة.

غير أن الأمر الذي يزيد الوضع سوءا بالنسبة للطالبة عفيفي، هو أنها تشكو مشكلا نفسيا، يجعلها أمام تحديات مزدوجة، خصوصا وأنها تؤكد أن تكاليف العلاج تتطلب منها مجموعة من المصاريف المالية المرتفعة التي تصفها بغير المجدية كون حالتها النفسية تزداد سوءا يوما بعد آخر، معتبرة أن تردي وضعها الاجتماعي هو السبب وراء هذا الانحدار المشهود والبادي على محياها منذ الوهلة الأولى.

 

"وفاة الطالب المكفوف استحضار لواقع متردي"

في السياق ذاته يقول جواد الخني، رئيس المنتدى المغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان في تصريح خاص لـ"الدار"، أن سقوط ومصرع كفيف معطل من فوق مبنى وزارة الأسرة والتضامن،  هو بمثابة استحضار لواقع تردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وضرب الحق في الشغل والكرامة والعيش الكريم، مشيرا أن الشخص الكفيف يتابع دراسته في وضعية صعبة بالنظر لعدم وجود تدخل للدولة ومؤسساتها في الدعم والمواكبة والمتابعة منذ مراحل التمدرس الأولى بسبب غياب الرعاية وضعف آليات ومؤسسات الدعم والمواكبة كصندوق التماسك الاجتماعي وغياب بطاقة معاق وفق المعايير الدولية وقلة المركبات الاجتماعية التي من المفروض أن تستقبل التلاميذ والطلبة المعاقين والمكفوفين منهم، مشددا على أن الحق في التعليم والشغل يحل وضعا مركزيا في منظومة حقوق الإنسان وكذا ما يكفله دستور  فاتح يوليوز 2011 لكن واقع الانتهاكات والتراجعات يخالف كل الضمانات.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى