القاسم الانتخابي..جدل مشروع أم توظيف سياسي؟
الدار / افتتاحية
يبدو أن الولاية الحكومية انتهت قبل الأوان، بعد أن بدأ الجدل الانتخابي مبكرا. والظاهر أن الشهور القادمة ستكون جزء من الزمن الانتخابي بشكل قد يتجاهل كل الاستحقاقات الأخرى التي يفترض أن تشغل أجندة الحكومة وبال الأحزاب السياسية معارضة وأغلبية. بل إن وزير الداخلية المنشغل أصلا بتدبير تداعيات جائحة فيروس كورونا وتطبيق الإجراءات الاحترازية سيحتاج إلى نفَس موازي لتسيير المعركة الدائرة على أشدها اليوم حول القضايا الانتخابية وعلى رأسها مشكلة القاسم الانتخابي. لكن أكبر المنشطين لهذه النقاشات والمستفيدين منها في الوقت نفسه هو حزب العدالة والتنمية.
فبعد أن انتهى من قصة المظلومية واسترجاع حكاية الضغوطات من أجل منعه من تغطية كافة الدوائر الانتخابية، يسارع قياديو ونواب الحزب، ممن عرفوا بإثارة الجدل، إلى تسخين النقاش حول القاسم الانتخابي لإعطاء الانطباع مرة أخرى بأن الحزب مستهدف وأنه يخيف خصومه بشكل تشم منه رائحة الحملة الانتخابية السابقة لأوانها. ويقضي مقترح تعديل القاسم الانتخابي الذي تطرحه بعض الأحزاب السياسية باحتسابه بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية بدلا من احتسابه بناء على قاعدة الأصوات الصحيحة المعبر عنها في الانتخابات.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية بات الحزب الوحيد الذي يدافع عن استمرار نظام القاسم الانتخابي بناء على الأصوات الصحيحة، إلا أن هذا لم يمنع النائب عبد الله بوانو من التصعيد إلى درجة الوعيد والتهديد، وهو يؤكد أن “الانتخابات لن تمر بأي حال من الأحوال على أساس القاسم الانتخابي البديل”. يأتي هذا التصريح إمعانا في تأجيج الجدل بعد تلميح آخر للوزير السابق نجيب بوليف بمقاطعة الانتخابات إذا تم تعديل القاسم الانتخابي. كل هذه التصريحات لا تخرج عن نطاق الإستراتيجية التي يتقنها حزب العدالة والتنمية من أجل الظهور بمظهر الحزب المكافح وسط جوقة المتآمرين.
ولأنه يتقن هذه اللعبة، فإن استعادة هذه الصورة بعد ولايتين حكوميتين مفعمتين بالكثير من الانكسارات والتراجعات والإخفاقات يعتبر آخر الأوراق التي يمتلكها الحزب الإسلامي للعودة إلى الواجهة الشعبية. علما أن هذا النقاش حول القاسم الانتخابي له مشروعيته السياسية والعلمية المقنعة. فكيف يعقل أن يقود حزبٌ الحكومة ويتمتع بالحق في تشكيلها ورئاستها مع أن مجموع ما حصل عليه من أصوات يتجاوز مليونا ونصف المليون صوت بقليل من أصل أكثر من 14 مليون ناخب مسجل في اللوائح الانتخابية. إن هذه الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 2016 على سبيل المثال لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمنحه تمثيلية نسبية معقولة للناخبين المغاربة، وعموم من يحق لهم التصويت من غير المسجلين.
صحيح أن حزب العدالة والتنمية ربح المعركة الانتخابية في 2016 وتصدر قائمة النتائج، لكن نسبة الذين ساهموا في نجاحه وتصدره لا يتعدون 20 في المائة من مجموع المغاربة الذين لهم الحق في المشاركة الانتخابية. ولذلك فإن العديد من الباحثين المتخصصين في الشأن الانتخابي لا يترددون في وصف حكومة العثماني بأنها “قانونية”، لكنها ليست “شرعية” لأنها لا تمثل الأغلبية، إنها حكومة أقلية قانونية. هذه الأرقام تظهر أن اقتراح تعديل القاسم الانتخابي مسألة جد منطقية ولها مبرراتها السياسية والقانونية، لكنها تؤدي قد تؤدي في الوقت نفسه إلى نتائج عكسية بمنحها حزب العدالة والتنمية الذريعة التي يحلم بها ويوظفها باستمرار أي ذريعة المظلومية والاستهداف.