السودان …. اتفاق سلام يمهد لإنهاء حقبة سوداء من الحروب الأهلية في البلاد
بالتوقيع على اتفاق سلام نهائي بين الحكومة الانتقالية وتحالف الجبهة الثورية الذي يضم عدة حركات مسلحة وتنظيمات سياسية، يدخل السودان مرحلة جديدة من الاستقرار وينهي عقدين من الحروب في أقاليم دارفور ومنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان ، أدت إلى تشريد ووفاة الملايين.
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه العملية السلمية، في مقدمتها غياب فصيلين رئيسيين هما الحركة الشعبية، وحركة تحرير السودان عن حفل التوقيع، يأمل السودانيون، أن يشكل الاتفاق الذي تم توقيعه السبت الماضي بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا ،بداية لوضع حد لستة عقود من الحروب الأهلية، حصدت أرواح نحو 4 ملايين شخص، وأجبرت أكثر من 10 ملايين على النزوح الداخلي هربا من الموت أو اللجوء إلى بلدان أخرى بحثا عن الأمان والاستقرار.
وتميز حفل توقيع الاتفاق بحضور دولي وازن، حيث حضره رؤساء كل من الصومال ودجيبوتي وتشاد، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ورئيس الوزراء اليوغندي، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ورئيس الوزراء المصري، والمبعوث الدولي للسودان وجنوب السودان، إلى جانب مشاركة عربية وأوروبية وامريكية.
وشكلت نهاية نظام الرئيس عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في دجنبر من العام الفارط، فرصة للحكومة الانتقالية لتسوية عدد من الملفات الشائكة في البلاد منها العمل على إنهاء الحصار الدولي ورفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن بالتحديد تحقيق السلام الداخلي الذي كلف البلاد كثيرا وأدى إلى تعطيل قطار التنمية بها، حيث شرعت الحكومة في إجراء اتصالات بالمسلحين ودعوتهم للحوار. واعتبرت أماني الطويل، الخبيرة في الشؤون السودانية بمركز “الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية”، أن اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية وبعض الحركات المسلحة ، هو اتفاق جزئي ، غير أنه يعد خطوة متقدمة لتهدئة الصراعات المسلحة السودانية.
وقالت الطويل في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية وبعض الفصائل قد يكون فرصة لتحقيق استقرار سياسي في البلاد وقد يقود إلى سيطرة المكون العسكري على السلطة الانتقالية وهو ما يثير بعض المخاوف والتوتر خصوصا على الصعيد الداخلي الذي يخشى أن تكون خطوة على طريق تجزئة التراب الوطني السوداني.
وأضافت أن الاتفاق يمهد لوضع حد للنزيف البشري والاقتصادي والتدهور الأمني في السودان ، ويفتح المجال لتحقيق أهداف الثورة الشعبية ، غير أنه يحتاج إلى مزيد من الجهد من أجل تحويله إلى اتفاق شامل يضم بقية الحركات غير الموقعة ويخاطب جميع القضايا بما يحقق الأمن والاستقرار لسكان المناطق المتضررة.
وأشارت الباحثة في الشؤون الافريقية ، إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجه العملية السلمية في مقدمتها غياب فصيلين رئيسيين هما الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور.
وأشارت إلى الاهتمام الكبير الذي حظي به اتفاق السلام داخليا وإقليميا ودوليا،عازية ذلك إلى كونه فرصة تاريخية لتحقيق استقرار سياسي في السودان وفي المنطقة.
ويواجه اتفاق السلام صعوبات اقتصادية أكثر منها أمنية بسبب حاجة الخرطوم لتأمين عودة نحو أربعة ملايين نازح ولاجئ الى مناطقهم ودمجهم في الحياة المدنية.
ويتضمن اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة بوساطة من جنوب السودان ،ثمانية بروتوكولات، تتعلق بالعدالة الانتقالية والتعويضات، وملكية الأرض، وتطوير قطاع الرحل والرعي، وتقاسم الثروة والسلطة، وعودة اللاجئين والنازحين، إضافة إلى بروتوكول الترتيبات الأمنية الخاص بإعادة دمج وتسريح مقاتلي قوات الحركات المسلحة في الجيش النظامي لتكوين جيش موحد يعكس التنوع السوداني.
وتشتمل بنود الاتفاق ايضا على وقف الحرب وجبر الضرر واحترام التعدد الديني والثقافي والتمييز الإيجابي لمناطق الحرب وهي، دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ،كما نص الاتفاق على تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهرا ابتداء من تاريخ التوقيع على أن تشارك الأطراف الموقعة في السلطة الانتقالية بثلاث مقاعد في مجلس السيادة ليرتفع عدد أعضاء المجلس إلى 14 عضوا، وسيحصل الموقعون أيضا على 5 مقاعد في مجلس الوزراء حيث يتوقع رفع عدد الحقائب الوزارية إلى 25 حقيبة، و 75 مقعدا في المجلس التشريعي الذي يتوقع تشكيله من 300 عضوا.
وتمضي الحكومة خلال الاسابيع القادمة، نحو استكمال السلام مع باقي الحركات التي لم توقع على الاتفاق.
ومنذ نهاية العقد الخامس من القرن الماضي، وتحديدا عام 1956، اندلعت الحرب الأهلية جنوب السودان، استمرت لنحو 50 عاما قتل خلالها أكثر من مليوني شخص. وفي 26 فبراير 2003، اندلعت حرب دارفور، التي اعتبرت الأكثر بشاعة في تاريخ البلاد وخلفت أكثر من 4 ملايين ضحية بين قتيل ونازح، وانتهت سنة 2005 بتوقيع “اتفاق نيفاشا” بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن مختلف الحروب الاهلية بالسودان حصدت أرواح نحو 4 ملايين شخص وأجبرت أكثر من 10 ملايين على النزوح الداخلي هربا من الموت أو اللجوء إلى بلدان أخرى بحثا عن الأمان والاستقرار.
المصدر: الدار- وم ع