حكومة العثماني لم تتعلم شيئا من أزمة جائحة كورونا
الدار / افتتاحية
بما أن حكومة سعد الدين العثماني مصرة على حل الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا “على ظهر” الأجراء والموظفين المقهورين، فهذا يعني أنها لم تتعلم شيئا من دروس جائحة فيروس كورونا. الحكومة التي يفترض أن تخطط لإنعاش الاقتصاد ودعم القدرة الشرائية التي ضربت في مقتل، عمدت في مشروع قانون المالية 2021 إلى إدراج مقترح يفرض فرض ضريبة جديدة تحت مسمى “مساهمة اجتماعية للتضامن”. وسيتم تطبيق هذه الضريبة، في حالة المصادقة النهائية عليها، على الأجراء والموظفين وبعض الشركات، بشكل إلزامي، من أجل تحصيل ما يُناهز خمسة مليارات درهم.
هذا المبلغ، الذي يظل مبلغا حقيرا في موازنات البلدان النامية، كان من الممكن أن توفره الحكومة من مصادر كثيرة، عن طريق نهج سياسات تقليص نفقات أجهزة الدولة وموظفيها ومحظييها. لكن الاختيار الذي ذهبت إليه الحكومة هو ضرب مسمار أخير في نعش القدرة الشرائية للموظفين والأجراء المنهكين أصلا بالقروض والالتزامات الاجتماعية التي لا تنتهي، كتكاليف المدارس والعلاج والتموين في ظل استمرار ارتفاع غير مسبوق في الأسعار. ويؤكد هذا الحل السهل الذي لجأت إليه الحكومة على أمرين أساسيين:
الأول يؤكد أن حكومة سعد الدين العثماني لا تستطيع التفكير خارج الصندوق، إنها تلجأ باستمرار إلى الحلول التقليدية السهلة، التي لا تتطلب أي اجتهاد أو ابتكار في بناء الميزانية وتوفير موارد جديدة دونما حاجة إلى استهداف فئة اجتماعية بعينها والتأثير على مداخيلها المنهكة أصلا. التفكير خارج الصندوق، ليس جزء من مهارات “الكفاءات” الوزارية التي صدعوا بها رؤوسنا في مجالات عديدة ويتبين باستمرار أنها لا تستطيع إيجاد مخارج لأزمات كالتي نعيشها دون الاصطدام مع المجتمع. أما الأمر الثاني، فهو أن الاختيارات الليبرالية العشوائية التي اتخذتها حكومة عبد الإله بنكيران هي نفسها التي تتشبث بها حكومة سعد الدين العثماني، وأن كل الخطابات الانتخابية التي كان حزب العدالة والتنمية يروجها أمام متعاطفيه وأمام الناخبين ليست سوى كلام ليل يذوب بمجرد أن يطلع عليه النهار.
أين ذهبت شعارات الحد من الريع والامتيازات؟ أين هي تصريحات بنكيران عن المرأة البسيطة التي تتقاضى ألف درهم في معاشها؟ أين هو حديث السي “بيليكي” عن ضرورة دعم الفئات الهشة التي تأثرت بالجائحة؟ من الواضح أن تصور الحكومة وتفييئها للمجتمع هو أيضا فيه إشكال كبير. فالظاهر أنها تعتبر الموظفين والأجراء ضمن الفئات الغنية التي تستطيع الإسهام في إنقاذ الاقتصاد الوطني بدفع ضريبة تضامنية جديدة. وهذا الأمر ليس سرا، فبنكيران والعثماني كانا دائما يعتبران أن مالكي السيارات مثلا في المغرب يعتبرون من الأغنياء الذين يجب عليهم أن يساهموا بالأداءات الضريبية ويحرموا من الدعم الذي تقدمه الدولة، ومن هنا جاء مشروع بنكيران الذي أنهى به دعم المحروقات من صندوق المقاصة.
هل لهذا التوجه تفسير معين؟ لن نبالغ إذا ربطنا بين ذلك وبين تاريخ قيادات ونخب الحزب، التي تنتمي جلها لفئات الموظفين المختلفة. لقد تنصل رجال العدالة والتنمية من تاريخهم كموظفين في قطاعات التعليم والإدارة والجماعات المحلية وغيرها، بمجرد أن تحملوا مسؤوليات وزارية وسياسية، وشرعوا فعلا في تحسين وضعيتهم على حد قول عبد الإله بنكيران في تصريحه الشهير الذي بدأه بالتساؤل “لاش جينا”. ها نحن ذا نرى الجواب عيانا، لقد جاؤوا للدفاع عن الامتيازات والريع، والدعس على رؤوس الموظفين والأجراء بحرمانهم من الدعم وفرض ضرائب جديدة عليهم، بينما تمر قراراتهم “الجريئة” على مرمى حجر من مكامن الثروة الحقيقية وأصحابها، لكنها لا تجرؤ على الاقتراب منهم.