الإرهاب لم يمت..الحرب عليه لم تنته
الدار / افتتاحية
الجريمة الإرهابية النكراء التي شهدها سجن تيفلت وراح ضحيتها شهيد الواجب الحارس الحبيب الهراس تدل على أن الظاهرة الإرهابية في المغرب لا تزال خطراً محدقاً بالمجتمع وبأفراده ومؤسساته، وما تفتأ تتربص بكل من يمثل أجهزة الدولة وسلطة القانون. ما وقع في سجن تيفلت لم يكن يستهدف الضحية الحبيب الهراس وحده، بل كان أساساً ضربة غدر موجهة إلى المؤسسة السجنية، وما تمثله من هيبة القضاء ويقظة الأمن واستنكار المجتمع للتطرف والعنف بكل أشكاله وتجلياته. فالمجرم الذي ارتكب هذا الفعل الشنيع يعلم جيداً أن المغامرة التي اقترفها ستنتهي إما بمقتله أو توقيفه، لكنه مع ذلك أقدم عليها غير عابئ بما ينتظره من عقوبة أو محاسبة.
نحن إذاً أمام عملية انتحارية بالحد الأدنى من الإمكانات والأسلحة، فلو كان مرتكبها يمتلك حزاماً ناسفاً أو عبوة مدمرة لما تردد في قتل نفسه وكل المحيطين به. وعندما يحضر الفكر الانتحاري فهذا يعني أننا أمام شحن عقائدي كاسح يسيطر على ذهن وسلوك هذا الإرهابي ويدفعه إلى ارتكاب جريمته مُمنياً النفس بأن يتعرض للقتل برصاصة من قوات التدخل السريع، بحثا عن الشهادة المزعومة التي تخلد اسمه في تاريخ القائمة السوداء للمجرمين والإرهابيين. وما يؤكد أنه كان يبحث عن ذلك استمراره في المقاومة إلى درجة أنه تمكن من إصابة ثلاثة حراس آخرين أثناء محاولتهم تخليص الضحية منه.
لقد أظهرت التحريات الأولية السابقة أن هذا الإرهابي ينتمي إلى خلية تمارة التي ضبط بحوزتها الكثير من الأسلحة والمتفجرات، وكانت تدبر مخططاً لاستهداف شخصيات مدنية وعسكرية، وذهبت بعيداً في التحضير لذلك. وتظهر الجريمة التي ارتكبها أن اليقظة الأمنية في مواجهة الظاهرة الإرهابية بالمغرب تحقق أهدافا أمنية حاسمة. ماذا لو استمر هذا الإرهابي وأعضاء خليته أحراراً طلقاء إلى يومنا هذا؟ ربما كان مصير المواطنين الأبرياء الذين سيستهدفهم مصير شهيد الواجب الحبيب الهراس. لقد كان المجرم وهو يرتكب جريمته داخل سجن تيفلت بصدد تفعيل مخططه الإرهابي الذي كان أصلا يستهدف الشخصيات العمومية من المسؤولين في مجال الأمن على الخصوص، بما في ذلك استهداف مقرات مصالح الأمن والدرك.
لا يجب أن نقلل من الجهود التي بُذلت منذ 2003 بعد صدمة أحداث 16 ماي الإرهابية في مجال احتواء هذه الظاهرة أمنياً واجتماعياً وثقافياً، لقد أُنجز الكثير وحُققت أهداف جمّة، لكن اليقظة لا ينبغي أن تنتهي. فعلى ما يبدو فإن للإرهاب حيوات عديدة، وأعمار افتراضية غير محددة. إننا أمام ظاهرة معقدة جداً تتداخل فيها الكثير من المتغيرات، المحلية والعالمية، وتولّد باستمرار مفاجآتها غير السارة. وإذا كان المغرب ينهج مقاربة تكاد تكون نموذجية من حيث نتائجها ومخرجاتها، فإن هذا لا يعني بتاتا أننا بمنجاة من الإرهاب والتطرف المقيت. هناك نموذج مغربي يقع باستمرار تحت قائمة الأهداف الإجرامية بسبب ما يمثله من قيم التسامح والتعايش ونبذ العنف.
لأجل ذلك يتعين تعميق الجهود المبذولة في المقاربة الاجتماعية بالقضاء تماماً على ما تبقى من أحزمة الفقر، إذ لا يُعقل بعد أكثر من 16 عاماً على صدمة 2003 ووعود القضاء على مدن الصفيح، أن تُراوح مشاريع إعادة الإيواء مكانها، وتُفاقم الوضعية الإنسانية لفئات عريضة من سكان المدن. كما أن المواجهة الفكرية والثقافية للتطرف والإرهاب، والتي حققت بعض الأهداف وعلى رأسها المراجعات الفكرية للكثير من المتطرفين والإرهابيين، ينبغي أن تنتقل إلى مستويات أعمق من التصدي المباشر الذي يمر أولاً وأخيراً عبر المنظومة التعليمية، فالحرب على الإرهاب لم تنته ويجب أن تتواصل.