أخبار الدارسلايدر

تنمية الجهات الثلاث للصحراء المغربية.. المرور إلى السرعة القصوى لتنفيذ المشروع التنموي وتجديده

الدار / افتتاحية

في السابع من نونبر 2015 أعلن وزير الاقتصاد والمالية أمام أنظار الملك محمد السادس الاستراتيجية التنفيذية للنموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية للمملكة. كان الهدف من هذه الرؤية التنموية الطموحة التي رصد لها غلاف مالي بقيمة 77 مليار درهم، هو وخلق 120 ألف فرصة شغل وهو ما من شأنه الرقي بالأقاليم الجنوبية للمملكة حتى تضطلع بدورها كاملا كجسر جهوي وقطب اقتصادي إفريقي وحلقة وصل مع أوروبا.

وكانت نقطة قوة هذا المشروع التنموي تتمثل في شموليته وتعدد أبعاده التي تستند على ركائز رئيسية ، تتمثل في إحداث أقطاب تنافسية قادرة على خلق دينامية جديدة للنمو وخلق فرص الشغل الكافية خاصة بالنسبة للشباب والنساء، وتعزيز التنمية المندمجة وتثمين البعد الثقافي بالاستناد على الحكامة المسؤولة في إطار الجهوية المتقدمة وتكريس ثقافة حقوق الانسان لتعزيز الثقة وترسيخ الديمقراطية، وضمان التنمية المستدامة وتحسين شبكات الربط بين الاقاليم الجنوبية وباقي ربوع المملكة من جهة، والدول الافريقية جنوب الصحراء من جهة أخرى.

وشمل البعد الاقتصادي للنموذج التنموي الجديد حينها إعادة هيكلة محركات النمو والتنمية وفق برنامج لدعم القطاعات الانتاجية (الفوسفاط والفلاحة والصيد البحري والسياحة الايكولوجية). حيث خصص لمشروع فوسبوكراع للتنمية الصناعية استثمار يبلغ 16,8 مليار درهم يسعى إلى تثمين الفوسفاط محليا ودمج كل حلقات السلسلة الانتاجية إلى غاية التصدير بما يمكن من التثمين الامثل للموارد وبالتالي تقوية استفادة السكان المحليين منها. أما مشاريع التثمين الفلاحي، فكان الهدف منها تحسن الظروف المعيشية للسكان من خلال خلق فرص الشغل (11 الف فرصة عمل) وتنويع مصادر الدخل والاستغلال الامثل للموارد الطبيعية وذلك من خلال التثمين الفلاحي لمنطقة الداخلة باستثمار يقدر ب 1,3 مليار درهم على 5 ألف هكتار عبر تحلية مياه البحر بغية المحافظة على الفرشة المائية للأجيال القادمة، فيما تم على مستوى اقليم بوجدور استثمار 465 مليون درهم لتهيئة 100 هكتار.

واليوم تنتقل الأقاليم الجنوبية إلى سرعة تنموية قصوى منذ أن أعلن الملك محمد السادس في خطابه الأخير عن مشروع الواجهة الأطلسية التي ستعتمد الاقتصاد البحري مدخلا أساسيا ورافعة جوهرية في عملية التنمية. فمشروع تحويل مدينة الداخلة إلى قطب سياحي ومينائي ضخم يعادل قطب طنجة المتوسط، يعد ثورة تنموية ستخرج المشروع التنموي الجديد نحو آفاق أرحب وأوسع. وقد بدأت مستويات تنفيذ المخطط السابق مراحل متقدمة وصلت إلى حد استثمار 60 مليار درهم، يأتي التصور الجديد للمخطط التنموي الذي أعلن الملك محمد السادس خطوطه العريضة في توقيت سياسي ودولي دقيق ومناسب.

يتميز هذا التوقيت بتسجيل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الذي فتح الباب بدوره أمام المستثمرين الأمريكيين الذين يعتزمون الدخول إلى الأقاليم الجنوبية كفاعلين اقتصاديين وتنمويين كبار، برؤوس أموال كبيرة وغير مسبوقة. وستنتقل المنطقة في ظرف وجيز من استثمارات أمريكية شبه منعدمة إلى تعبئة مليارات الدولارات في مشاريع هيكلية واقتصادية ضخمة. فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن عزم الإدارة الأمريكية الحالية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، القيام باستثمارات مالية كبيرة في الصحراء المغربية، عقب الاعتراف الرسمي الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه. وأوضحت الصحيفة ان الإدارة الأمريكية عبرت عن استعدادها لتقديم مساعدات مالية للمغرب، وتمويل استثمارات ضخمة في الأقاليم الجنوبية، في مجالات السياحة والطاقة والطاقة المتجددة والبنوك تصل لثلاث ملايير دولار على مدى 3 سنوات.

وبدأت أولى هذه الاستثمارات مباشرة بعد إعلان الاعتراف الأمريكي حيث أعلنت شركة “سالونا” الأميريكية للتكنولوجيا عن إطلاق مشروع “هارماتان” بجهة الداخلة وادي الذهب. وأشارت الشركة الأمريكية في بلاغ لها، الى أنها ستستثمر في الفضاءات البحرية لتحلية مياه البحر، وأيضا لاستغلال الطاقات المتجددة ذات المصدر المائي أو الهوائي. وعملت الشركة، منذ حوالي ثلاث سنوات، على تطوير حقل ريحي بقدرة 900 ميغاوات على مساحة 10 آلاف هكتار في الداخلة، مع حقل مشترك لمراكز البيانات المعيارية، وهذه المراكز نفسها ستخصص لتوفير القدرة الحسابية للشبكات العالمية للبلوكشين.

وتعتبر المراهنة على الداخلة في مشروع بهذه الأهمية الاستراتيجية والتكنولوجية العالية أن المنطقة ستنتقل مباشرة إلى تثمين الاستثمارات ذات القيمة العالية بالإضافة إلى الاستثمارات القطاعية التقليدية في الصيد البحري والزراعة والسياحة. فدخول شركة عملاقة من هذا الحجم في مجال “البلوكشين” إلى الأقاليم الجنوبية يعد نقلة نوعية في طبيعة الاقتصاد المحلي، وسيؤكد لا محالة أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ليس مجرد قرار سياسي عابر، وإنما هو مراهنة استراتيجية على مستقبل المنطقة وعلى إمكاناتها كمنصة تربط الولايات المتحدة الأمريكية بباقي القارة الإفريقية.

زر الذهاب إلى الأعلى