الورطة التواصلية… درس جديد من دروس جائحة كورونا
الدار / افتتاحية
من الواضح أن جائحة فيروس كورونا المستجد لا تزال تبشرنا في المغرب بالمزيد من الدروس والعبر، التي لا تنتهي. فبعد دروس الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، ودروس الحاجة الماسة إلى إعادة الاعتبار للدولة كجهاز يحمي الشعب ويخفف عنه في ظروف الأزمات، نعيش هذه الأيام على إيقاع درس بليغ لا بد من التوقف عنده والاستفادة منه إلى أبعد حد. هذا الدرس هو الذي تكشفه الورطة التواصلية الكبيرة لوزارة الصحة وللحكومة عموما التي بالغت في التبشير بقرب انطلاق حملة التلقيح الوطنية بعد التوصل بالشحنات اللازمة من هذا اللقاح.
لكن الظاهر أن هذا الترويج الواسع النطاق لفعالية اللقاح وضرورته الطبية، كان أمرا سابقا لأوانه، خصوصا في ظل تأخر وصول الشحنة الأولى من هذا اللقاح الذي بشرت به الوزارة، وحاولت الدفاع عنه باعتباره حلا لمشكلة المناعة الجماعية التي يتطلبها التغلب على الوباء. لقد تبين اليوم أن ما كان سيشكل في السابق نقاشا وأزمة من حيث عدم اقتناع المواطنين به كحل، وتخوفهم من تبعاته، ظهر أنه مجرد نقاش خارج السياق، بعد أن تأخر الشركاء الذين وقع معهم المغرب اتفاقيات مبكرة للحصول على نصيبه من اللقاح، عن الوفاء بالتزاماتهم. لقد احتفينا واحتفى الجميع في الشهور الأولى من الجائحة بتمكن المغرب من انتزاع اتفاق مع مختبرات سينوفارم الصينية، وتصنيفه عالميا من بين أول البلدان التي ستحصل على هذا اللقاح.
كان هناك حديث عن استثناء مغربي في تدبير الجائحة، عندما نجح المغاربة في تطبيق حجر صحي صارم وفعال، في البداية، ثم زاد اقتناعنا بهذا الاستثناء عندما اقتحمت السلطات العمومية غمار المفاوضات للحصول على اللقاح، وقدم المغرب مساهمة طبية من خلال 600 متطوع خضعوا لاختبارات اللقاح الجديد. هذا المشهد تم تسويقه بشكل مكثف، بل ومبالغ فيه، على اعتبار أنه نجاح جديد سيضع المغرب في مراتب متقدمة في مكافحة الجائحة والتغلب على تبعاتها. واستمرأت السلطات الصحية في المغرب هذا النجاح الافتراضي، وخرج وزير الصحة في عدة مناسبات يبشر المغاربة بقرب وصول اللقاح، ويخبرهم بضرورة الاستعداد للعودة للحياة الطبيعية. كان آخر هذه التصريحات في الأسبوع الماضي عندما وضع آيت الطالب شهر رمضان المقبل سقفا لهذه العودة.
لكن ما الذي يحدث اليوم؟ لقد تأخرت الشحنات الأولى من اللقاح، ولا يزال الشركاء الصينيون يماطلون في تسليم ما في عهدتهم تجاه المغرب. وينطبق التأخير ذاته على مختبرات فايزر. كل هذا يحدث وسط حمى دولية وتسابق مجنون بين مختلف بلدان العالم للحصول على الجرعات اللازمة لتحصين المواطنين وحمايتهم. وقد أظهرت التطورات الأخيرة بخصوص موضوع التلقيح أن هناك احتكارا مفضوحا للجرعات التي تم تصنيعها، من طرف البلدان الغنية، وبعض القوى الدولية النافذة. وقد بدأت فعلا حملات التلقيح في بلدان مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تقدمت الصين أيضا كثيرا في حملتها الوطنية للتلقيح.
كان من الأولى إذا أن يتريث المسؤولون عن هذا الملف قبل إعلان اتخاذ خطوات عملية أو الترويج لمواعيد معينة. فظروف الأزمة التي يعيشها العالم تجعل من هذا الملف موضوع منافسة شرسة، يكون البقاء فيها على الأغلب للأقوياء. وعلى الرغم من كل الجهود الدبلوماسية التي بذلها المغرب، فإن التوجه الدولي يظهر أن هناك استمرارية لتقاسم الأدوار والمصالح بين القوى العظمى، ولا مجال لاختراقها بمنافسة بلدان صاعدة مثل المغرب مهما كان اجتهادها. والظاهر أن هذا الواقع الدولي غاب عن وعي حكومتنا وعن إدراك وزارة الصحة في التعاطي مع ملف اللقاحات.