المحطات الإذاعية الخاصة.. نقلة نوعية في المشهد الإعلامي الوطني
“رحل الشاعر.. أخذ الراديو مكانه”، عبارة قالها ذات يوم نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب. هذه الصلة البسيطة لغويا والعميقة جدا دلاليا، التي انتقاها الكاتب المصري، تجسد في نواح كثيرة مكانة “موجات الأثير” في الحقل الثقافي لأي مجتمع.
فلطالما كان ينظر إلى المذياع، ذاك الجهاز القيم الذي كانت تجتمع حوله العائلات للتأمل فيه قبل الاستماع إليه، كتحفة فنية أو صندوق عجائب ينثر الأفراح ويخفي المفاجآت…
وبحكم التحولات الاجتماعية، كان لا بد لهذا الجهاز الذي أصبح لا غنى عنه، من “المضي” قدما، بحثا عن حداثة تتيح له التناغم مع كل زمان.
وفي خضم المنافسة “المباشرة” مع وسائل الإعلام الأخرى، خاضت المحطات الإذاعية “معارك” للحفاظ على مكانتها في الحياة اليومية، بل وحتى الارتقاء بها، من خلال تغيير أنماط تقديم الأخبار والموسيقى.
وفي خضم هذه الحلة الجديدة، أصبح الجمهور الشاب “يشاهد” الراديو على الإنترنت، والتوجهات الجديدة والموسيقى “المبهجة” أكثر من أي وقت مضى. ونتيجة لكل هذا التحول المفاجئ، لم يتردد الحقل الإذاعي الوطني، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، في تغيير مساره لمواكبة “أنماط الحياة” الجديدة والصمود في وجه التغيير لتجنب الوقوع في بحر النسيان.
وهكذا، راهنت المحطات الإذاعية العمومية على الخلطة السحرية التي تجمع بين الأصالة والحداثة، مع الإبقاء على تلك اللمسة “الرسمية”، فيما منحت المحطات الإذاعية الخاصة نفسها مزيدا من الحرية، لتشرع في تقديم برامج ترفيهية ومتنوعة، ومتخصصة في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد، قال رئيس جمعية الإذاعات والتلفزات المستقلة، كمال لحلو، إن المحتويات التي تبثها المحطات الإذاعية الخاصة متنوعة وموجهة بشكل أكبر نحو الأخبار الاجتماعية والمجتمعية. وأضاف لحلو، رئيس ومؤسس إذاعة “إم إف إم” (MFM)، أن هذه المحطات تستهدف الجمهور الواسع، باستثناء بعض الإذاعات “المتخصصة” في الرياضة أو الموسيقى، وغيرها.
فالأمر يتعلق بتنوع يجمع بين الترفيه والإفادة، ويتجلى بوضوح حين يتقدم الصحفيون والمنشطون ومقدمو البرامج إلى الخطوط الأمامية عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية للمملكة، أو بتوعية “المستمعين- المشاهدين” بالقضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل ما يشهده العالم اليوم من انتشار لجائحة “كوفيد- 19”.
وبخصوص طرق تدبير هذه المحطات الإذاعية، أوضح لحلو أنها لا تختلف عن أي مقاولة لديها أقسام تنفيذية، بالإضافة إلى أقسام مكلفة بالإبداع وإنتاج البرامج، مشيرا إلى أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تظل الطرف الوحيد الذي يحق له معاقبتها في حالة “الإخلال” بالضوابط المهنية. ولكن ليس كل ما يلمع ذهبا ! فمعدو بعض البرامج الإذاعية يقضون وقتا أقل في إعداد مواضيع ذات قيمة مضافة وبناءة من ذلك الذي يتم إهداره في البحث “اليائس” عن “مدمر” للثقافة والمجتمعات، لخلق ما يعرف بـ”البوز”!
فسواء من خلال “الشخصيات” التي تتم استضافتها أو المواضيع التي يتم تناولها، يظل عدد المشاهدات ونطاق النشر هما الهدف الأول.
وبخصوص هذه المسألة على وجه التحديد، سجل لحلو بكل وضوح قائلا “(البوز) نجاح فيروسي لا يعكس، بأي شكل من الأشكال، الاهتمام الحقيقي. فهو عبارة عن مجموعة من التصريحات المستفزة التي تلوث النقاش العام”.
وبالنسبة لهذا العارف بخبايا المشهد الإعلامي، بحكم أنه يرأس أيضا الفيدرالية المغربية للإعلام، فإن الإذاعة يجب أن تظل قريبة من المستمعين ومن حياتهم اليومية وهمومهم، وتحرص على التفاعل معهم. يشار إلى أن صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري أدمج المحطات الإذاعية الخاصة، وفقا لقانون المالية لسنة 2021. وقد أشادت جمعية الإذاعات والتلفزات المستقلة والفيدرالية المغربية للإعلام بهذا التغيير، ونوهتا بالطابع الوطني الذي اكتساه “مجددا” هذا الصندوق، الذي كان يتمتع بهذا الطابع “الوطني” منذ سنة 1997، قبل أن تنص المادة 26 من قانون المالية لسنة 2008 على أن هذا الصندوق مخصص للقطاع السمعي البصري العمومي.
ودعت جمعية الإذاعات والتلفزات المستقلة والفيدرالية المغربية للإعلام المحطات الإذاعية الخاصة إلى بذل مزيد من الجهود للاضطلاع بمختلف المهام المنوطة بها، لاسيما الدفاع عن المشروع الوطني والقضايا ذات الأولوية بالنسبة للمملكة.
المصدر: الدار– وم ع