ناقوس خطر العزوف يدق..هل الناخب دائما على حق؟
الدار / افتتاحية
نتائج دراسة مؤشر الثقة التي أعدها المعهد المغربي لتحليل السياسات ليست صادمة ولا مفاجئة. إنها أرقام ونسب متوقعة في ظل التهالك والانهيار الذي أصاب الحياة السياسية منذ أكثر من ولايتين حكوميتين تقريبا. أي منذ أن خيبت التعديلات الدستورية التي تم إجراءها في 2011 على هامش الربيع العربي، أفق انتظار المغاربة، وانتهت إلى ممارسة روتينية لم تستغل كل إمكانياتها الواسعة في اتجاه المزيد من الدمقرطة وثقافة المؤسسات وتكريس الحريات. لكن الأكثر خيبة في كسر أفق الانتظار هذا هو فشل هذه المرحلة في الحد من مظاهر الفساد والريع واستغلال السياسة لتحقيق المآرب والمصالح الشخصية.
لقد كشفت الدراسة الجديدة لمؤشر الثقة أن 98 في المائة من المستجوَبين قالوا إنهم لا ينتمون لأي حزب سياسي، فيما عبرت نسبة 64 في المائة عن مقاطعتها للانتخابات المقبلة. وأكدت الدراسة أن 35 في المائة فقط من المستجوبين أبدوا رضاهم فيما يخص جهود الحكومة في مكافحة الفساد، وعبر نصف المستجوبين (52 في المائة) عن اعتقادهم أن الحكومة تحاول محاربة الفساد ولكنها تستطيع القيام بأكثر مما تقوم به حاليا. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام كانت متوقعة على الأقل بالنسبة لنا كمتتبعين للشأن السياسي الوطني، فإن النسبة المائوية التي عبرت عن مقاطعتها للانتخابات المقبلة، تعتبر رقماً مقلقاً جدّاً ينبغي التوقف عنده.
أقلّ ما يمكن أن يُقال عن هذا الرقم أنه ناقوس خطر حقيقي. فانْحسار نسبة المشاركة في 36 في المائة من الناخبين، إذا اعتبرنا أن المستوَجبين يمثلون الكتلة الناخبة، يعتبر أمراً ناسفاً لكل الجهود التي بُذلت وتُبذل من أجل إعادة الاعتبار للعملية السياسية، وللاستحقاقات الانتخابية. فالعزوف، وهو واقع لا أحد يجادل في تجذّره، لا يهدد فقط نتائج الانتخابات المقبلة ويجعلها فاقدة للمصداقية والمشروعية، بل يُجْهز على الآفاق السياسية الجديدة التي تحاول الدولة والمجتمع المدني التأسيس لها في المستقبل لتعزيز هذه الدينامية الإصلاحية والتنموية الجارية، وتحصين هذه المكتسبات الدبلوماسية التي تحقِّقها بلادنا خصوصا فيما يتعلق بالقضية الوطنية.
لنتصور حجم الخيبة التي يمكن أن يمثلها تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة بعد كل ما تم تحقيقه في السنتين الماضيتين على هذه الأصعدة. لنتخيل ذلك ونحن مقبلون قريباً على إعلان نموذج تنموي جديد انكبت عليه لجنة متخصصة منذ شهور. تسجيل عزوف كبير سيكون جواباً قاضياً على كل هذه الجهود، وقد يمثل مؤشراً سلبيا ينطوي على انتصار العدوّ الأول للتطور الديمقراطي والتنموي المنشود، ألا وهو ثقافة العدمية. لكن المشكلة الأساسية في هذا الافتراض أو السيناريو، هي أننا لا نستطيع أن نوجه اللوم لهؤلاء الناخبين الذين اختاروا الانزواء وعدم الاقتراب من الصناديق في يوم الانتخابات. بل يجوز لنا أن نقول قياساً على مقولة “الزبون دائماً على حق” أن “الناخب دائماً على حق”.
لنكن واقعيين، فالمجتمع المغربي لا يزال يعاني من درجة عالية من الأمية وقلة الوعي، وهذا يعني أن رد فعل الناخبين المفترضين يتأسّس بالدرجة الأولى على مدى استفادتهم في حياتهم اليومية من نتائج هذا العمل السياسي والمؤسساتي. وتأثّرِ معيشتهم اليومية بنتائج المنافسات الانتخابية الموسمية. بمعنى آخر إن موقفهم صادق وتلقائي ولا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك فيه وفي نواياه، أو اعتباره موقفا سياسيا موجَّها. نقصد هنا أن العدمية المُشَار إليها مبرّرة اجتماعياً وثقافياً بما يخلص إليه هؤلاء الناخبون من قناعات ونتائج ملموسة وميدانية، في علاقتهم بالمرشحين أو بالمجالس المنتخبة أو بالمؤسسات التي تتولى تدبير شؤونهم. وهذا يعني أن المفهوم المؤثِّر للسياسة لا يزال غائباً عن الفاعلين السياسيين بمختلف مواقعهم ومشاربهم.