هل تشرع وزارة الداخلية في جرد المصانع السرية؟
الدار / افتتاحية
انسجاما مع أشرنا إليه في مقال أخير عن الحاجة إلى نموذج إداري ترابي جديد بعد كارثة طنجة، جاء المجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك محمد السادس يوم الخميس ليؤكد توجها نحو تعميق التحقيقات واتخاذ التدابير اللازمة لتفادي تكرار مثل هذا الحادث المأساوي. هذا ما تم استخلاصه من الاستفسار الملكي لوزير الداخلية عن تقدم التحقيقات والإجراءات التي تم اتخاذها، وكذا عن هذا التصور الأولي الذي تحدث عنه الوزير، والذي تعكف وزارة الداخلية على إعداده. وتوحي التعليمات الملكية للحكومة بضرورة العمل بين مختلف القطاعات المعنية من أجل التنزيل السريع والجاد لهذا التصور، بأن الأمر يتعلق ببرنامج وطني واسع سيشمل كل القطاعات التجارية والصناعية غير المهيكلة في أفق تنظيمها وتأطيرها.
وسيتطلب الأمر، حسب ما يستشف من هذه التعليمات، اتخاذ إجراءات وتدابير قانونية وتنظيمية شاملة. لكن من المؤكد أن العمل الأولي الذي سيقع على عاتق مصالح وزارة الداخلية سينصب أولا على جرد وإحصاء كل المؤسسات والشركات والمصانع والمقاولات التي تمارس أنشطة اقتصادية صناعية أو تجارية، بشكل لا يحترم الشروط والمعايير التنظيمية التي تنص عليها القوانين المنظمة، وتفرضها وزارة الصناعة أو التجارة، أو حتى تلك التي تضعها الهيئات المنظمة للاستثمار في مختلف الميادين. ومن المعروف أن تنظيم مثل هذه الأنشطة لا يعرف فراغا قانونيا أو تشريعيا بقدر ما يعرف نوعا من التعقيد في استخلاص التراخيص، ونوعا من الفوضى على مستوى الرقابة والتساهل في المتابعة.
لقد سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن كشف أن الوفيات الناجمة عن حوادث الشغل مهولة، حيث تتسبب بنحو ألفي وفاة سنويا. وأوضح المجلس أن عدد المقاولات التي تمتثل لإجراءات الحماية الصحية والسلامة، لا يتجاوز 17%.. ويقدر عدد العاملين في القطاع غير المهيكل حسب المندوبية السامية للتخطيط بحوالي 2.5 مليون عامل. كما أظهرت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد أن القطاع غير المهيكل يُمثل أكثر من 50% من الاقتصاد الوطني، حسب الاتحاد العام لمقاولات المغرب. كل هذه الأرقام تظهر أن كارثة طنجة ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة، وتضع وزارة الداخلية والحكومة بمختلف قطاعات المتدخلة في قلب تحدي ورهان صعب وكبير من أجل التمهيد للانتقال نحو اقتصاد معلن ومعقلن وشرعي.
والظاهر أن الاستفسار الملكي لوزير الداخلية كمسؤول أول في هذا الملف يضع الأصبع على الداء، ويبرز بجلاء أن الإدارة الترابية هي المعنية أولا وأخيرا بتدبير وتنظيم كل هذه القطاعات، والحرص على احترامها للتشريعات والمعايير التنظيمية المعمول بها. ويزيد هذا الاستفسار من أعباء هذه الوزارة التي تعيش منذ أكثر من عام في خضم تحديات كثيرة فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد، بإشرافها على تأطير حالة الطوارئ وفرض احترامها، وكذا على تنظيم عملية التلقيح الوطنية ضد وباء كوفيد 19. ومن المتوقع أن تشرع مختلف مصالح الوزارة في تأطير عملية الجرد والإحصاء لمختلف المقاولات العاملة بشكل “سري” في أفق تسوية أوضاعها وتأهيلها للعمل بشكل معلن يضمن سلامة العاملين بها، ويدخلها في دائرة الاقتصاد الرسمي.
ومن هذا المنطلق تصبح كارثة طنجة داخلة تحت عنوان “رب ضارة نافعة” عندما ستتحول آلاف المقاولات التي تتهرب من التصريح الضريبي أو تشغل عمالا في إطار غير صحي أو تنتج دون احترام لمعايير حماية المستهلك. فالكارثة المأساوية التي أودت بحياة العشرات من العمال الأبرياء في معمل النسيج السري، يجب أن يكون لها ما بعدها من أجل إحداث قطيعة مع هذه الممارسات الاستغلالية من جهة، وتطوير النسيج المقاولاتي من جهة أخرى.