عودة تبون إلى الجزائر وسط انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان ومخاوف من تجدد”الحراك”
الدار / خاص
عاد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم الجمعة إلى بلاده بعد شهر من العلاج من مضاعفات إصابته بكوفيد في ألمانيا، حيث أجرى عملية جراحية في قدمه اليمنى.
وقال التلفزيون الحكومي “عاد اليوم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع عبد المجيد تبون إلى أرض الوطن” بعدما غادرها في العاشر من يناير إثر “مضاعفات” في قدمه اليمنى مرتبطة بالإصابة بكوفيد-19.
وظهر تبون، البالغ 75 عاما، في نشرة الأخبار الرئيسية واقفا بدون ضمادات في قدمه اليمنى وهو يتبادل التحية مع مستقبليه، بعدما تلقّى العلاج لمدة شهرين في ألمانيا بعد إصابته بفيروس كورونا نهاية 2020 قبل أن يعود في 29 دجنبر الماضي الى بلاده بدون إكمال العلاج بسبب التزامات له تتصل ببعض “الملفات الطارئة”.
وفي 10 يناير عاد مرة اخرى إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية في قدمه اليمنى إثر “مضاعفات” إصابته بفيروس كورونا.
تساؤلات حول وضع صحي غامض
الوضع الصحي المقلق للرئيس تبون، دفعت بعض وسائل الإعلام والمحللين في الجزائر إلى إعادة طرح سيناريو تطبيق المادة 102 الشهيرة في الدستور الجزائري، الخاصة بإعلان حالة الشغور إذا استحال على الرئيس ممارسة مهامه. ويعيد الجدل حول هذه المادة في البلاد كابوس نهاية حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعدما أصيب بجلطة دماغية واستمر بعدها ست سنوات في الحكم حتى عزله إثر احتجاجات واسعة في البلاد.
وتسبب طول غياب الرئيس تبون عن بلده منذ إصابته بكوفيد في اكتوبر ونقله العاجل الى ألمانيا، بإثارة جدل كبير خصوصا ان البلد يمر بأزمة سياسية واقتصادية تفاقمت مع الأزمة الصحية.
وكتب الصحافي والمحلل السياسي عابد شارف على تويتر “استفيقوا! الرئيس عبد المجيد تبون غائب منذ شهر. ومنذ منتصف أكتوبر لم يقض في البلد سوى 12 يوما. ألا يقلق هذا أي مسؤول وأي مؤسسة بأن يتكرر ذلّ الولاية الرابعة؟”.
ويشير بالولاية الرابعة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أصيب بجلطة في الدماغ في 2013 أفقدته القدرة على الحركة والكلام لكنه تمسك بالحكم حتى اضطره الحراك الشعبي والجيش الى الاستقالة في أبريل 2019.
وضع داخلي مقلق للغاية
ورغم عودته الى البلاد، وظهوره الإعلامي الثاني، فان حالة الرئيس تبون الصحية، ليس وحدها ما يثير تساؤلات المحللين، بل طرحت في الأيام الأخيرة قضايا عديدة داخلية وخارجية تلقي بظلالها على مستقبل الأوضاع في أكبر بلد مغاربي.
ويوجد في مقدمة الملفات التي تنتظر عودة الرئيس تبون في قصر المرادية بالجزائر، ملف التوقيع على التعديلات الدستورية التي أجري عليها استفتاء بداية شهر نونبر في ظل جائحة كورونا وفي غياب الرئيس ووسط دعوات المعارضة للمقاطعة، وكانت نسبة المشاركة والتصويت عليه من أضعف نسب المشاركة في تاريخ البلاد 23,7%.
على الصعيد الاقتصادي، تخيم عل الجزائر مؤشرات اقتصادية صعبة في ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد، وانهيار أسعار مواد الطاقة من الغاز والبترول التي تشكل عائداتها نسبة 95 في المائة من الدخل القومي، بشكل يهدد السلم الاجتماعي، ويضع البلاد على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة.
شبح “الحراك”
وتزامنت عودة تبون مع اقتراب الذكرى الثانية لحراك 22 فبراير، وتخوف السلطة من عودة الاحتجاجات والتظاهرات في الشوارع وكيفية التعامل معها، كما ينتظر ان يشرف تبون على مصادقة مجلس الوزراء على قانون الانتخابات الجديد الذي وعد به، تحسبا لانتخابات محلية وتشريعية لم يتم بعد إعلان تاريخها.
كما ان وسائل الاعلام المحلية تحدثت كثيرا عن إمكان حصول تعديل حكومي وشيك. وكان تبون أشار إلى ذلك يوم مغادرته الأخيرة نحو ألمانيا بحيث عبر عن عدم رضاه على عمل حكومة عبد العزيز جراد التي “لها وعليها” كما قال.
ومنذ وصوله إلى السلطة في 12 دجنبر 2019 عبر تبون عن رغبة في تجسيد “الجزائر الجديدة”، لكنه يجد نفسه على رأس بلد في طريق مسدود مع مؤسسات محجوبة واقتصاد هش.
وتعرف أكبر دولة في منطقة المغرب العربي ذوبان احتياطياتها من العملات الأجنبية، بسبب تراجع مداخيل تصدير النفط والغاز المرود الأساسي للدولة.
ورغم توقف مسيرات الحراك في مارس الماضي بسبب وباء كوفيد-19، ما عدا في مناطق قليلة، إلا ان العديد من المعارضين ونشطاء الحراك تم اعتقالهم ومحاكمتهم وإدانتهم بالسجن في مناخ من القمع، كما نددت منظمات حقوق الانسان.
ووفقًا للجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، وهي جمعية تدعم سجناء الرأي، فإن عشرات الأشخاص مسجونون حاليًا في الجزائر بسبب نشاطهم في الحراك. وفي 90٪ على الأقل من القضايا لا يوجد في ملفات المحاكمات سوى منشورات تنتقد السلطات على شبكات التواصل الاجتماعي.
انتقادات واسعة لأوضاع حقوق الانسان
ويبدو أن صفحة الحراك الشعبي لم تطوى رغم حملات التضييق عليه تحت طائلة الطوارئ الصحية بسبب كورونا. وتواجه الجزائر سلسلة انتقادات من منظمات حقوقية ودولية ومن البرلمان الأوروبي، على خلفية الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان عبر محاكمة العشرات من نشطاء الحراك والتضييق على حرية الصحافة. وأحدث تلك الانتقادات.
وانتقدت منظمة مراسلون بلا حدود السلطات الجزائرية على إثر قيام السلطات بحملة حجب لمواقع إعلامية مستقلة. فيما تنتظر الطبقة السياسية الجزائرية إصلاحات في قوانين تنظيم الأحزاب والجمعيات والإعلام.
تزايد اتهامات المعارضة
وتتهم المعارضة النظام بمحاولة احتواء مطالب الحراك الشعبي، التي ما تزال مفتوحة، رغم “هدنة الشارع” التي فرضتها جائحة كورونا. ويطالب الحراك بتغييرات جذرية في النظام والاتفاق على عملية انتقال ديمقراطي تمهيدا لإقامة الجمهورية الثانية.
المعارضة تعتبر، أيضا أن ترويج بعض الأوساط الجزائرية لما يسمى “مؤامرة” تتعرض لها البلاد، إنما هي أسلوب تقليدي يتم نهجه من أجل توحيد الصفوف الداخلية في مواجهة “العدو” المفترض، في وقت تواجه فيه البلاد استحقاقات وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، ليس من الواضح أن هنالك رؤية للتغيير وبدائل للإجابة عنها على الأقل في الأمد القريب، الذي سيستمر فيه عبد المجيد تبون في تلقي العلاج، و أخذ فترة نقاهة.