الرجل الذي لم يأكل الموز إلا بعد الثلاثين
الدار / افتتاحية
بعيدا عن مشاعر الانفعال الصادقة التي وسمت تفاعل فئات واسعة من المغاربة ردا على الإساة الإعلامية لقناة الشروق الجزائرية، وبعيدا عن المواقف “الغوغائية” أحيانا، التي ميزت للأسف ردود أفعال بعض الإعلاميين أو المؤثرين أو النشطاء، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، نريد أن نقول للجميع، اطمئنوا، فالدولة المغربية تراقب الوضع وتتحمل كامل مسؤولياتها وأدوارها في متابعة ومواكبة ما يحدث، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تخرج عن نطاق الأعراف الدبلوماسية والشرعية القانونية المؤطرة للعلاقات بين البلدان، خصوصا إذا كانت في دائرة البلدان الشقيقة أو الصديقة. لا تنتظروا من الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها أن تُجاري إسهال الهذيان الذي تعيشه الجزائر وعصابتها الإعلامية.
لقد كنا في السابق نعرف أننا في مواجهة عصابة العسكر، التي تحكم البلاد بقبضة حديدية، وتستغل مقدرات الشعب الجزائري في معارك وهمية لا ناقة له فيها ولا جمل، بينما يئن تحت وطأة الأزمة والخصاص الاجتماعي والاقتصادي بل والتمويني، مثلما تشهد بذلك قصة الرجل الجزائري الذي لم يأكل الموز إلا بعد أن بلغ الثلاثين من العمر. لكننا اليوم أضحينا في مواجهة عصابة موازية تمثلها هذه الطغمة الإعلامية، الموجهة والباحثة عن تصدير الأزمات الداخلية نحو الخارج، بخلق جدل من هذا النوع المستفز. لكن يبدو أن السحر ينقلب على الساحر الجزائري دائما. فمن رحم محاولة الإساءة لشخص الملك، خرجت هذه المقولة الخالدة، في سياق الرد وهي تردد شهادة هذا النائب البرلماني الذي يقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يأكل “البنان” إلا بعد أن تجاوز الثلاثين. وهو في الحقيقة ليس استثناء، إنه يرمز إلى جيل عريض من الجزائريين، الذين حرمهم النظام العسكري المستبد والغبي في الوقت ذاته، من التمتع بمقدراتهم وثرواتهم بتحقيق حد أدنى من الرفاهية المعقولة، هذا إذا قبلنا جدلاً أن أكل الموز مستوى من مستويات الرفاهية.
إن ما صرح به البرلماني السعداوي لا يمكن أن يؤخذ فقط على أنه نكتة مضحكة، بل إنه من تجليات الكوميديا السوداء التي تغرق فيها الجزائر والجزائريون الأبرياء للأسف. كيف يعقل أن يعيش سكان بلد حقق 33 مليار دولار من الإيرادات من تصدير المحروقات في سنة 2019، مثل هذا الحرمان إلى درجة يصبح معها أكل الموز حلماً صعب المنال؟ إن هذه الحكاية وحدها تكفي للرد على كل محاولات العصابة الإعلامية في الجزائر النيل من المغرب وقيادته ومؤسساته ورموزه وعلى رأسهم الملك محمد السادس. ماذا كان جنرالات الجزائر يفعلون طوال عقود من الزمن لم يبنوا فيها منظومة إنتاجية واقتصادية تكفي احتياجات البلد على الأقل؟ هل يعلم الحالم بـ”البنان” أن بلاده لا تنتج دولارا واحدا خارج دائرة المحروقات، وأن كل ما يأكله ويستهلكه الجزائريون يأتي من الخارج؟
ثم إن هذا الرجل الذي لم يأكل الموز إلا بعد الثلاثين يعكس أيضا هذه الثقافة الاجتماعية المغلوطة التي تدعي الجزائر أنها تضمنها لشعبها، من خلال “شكارة حليب” و”كيلو سميد”. هل هذا هو منتهى آمال هذا الشعب الذي يخوض منذ شهور طويلة حراكا احتجاجيا لا يزال يواجه بالمزيد من القمع والتضييق والتشويه الإعلامي؟ كان من الأولى إذا بالسلطات الجزائرية أن تبادر إلى نهج سياسة لدعم منتج الموز، حتى يتمكن غالبية أبناء الجزائر من الحصول عليه. إنه للأسف وضع مخجل، ويندى له الجبين، بل يجب أن يكون في حد ذاته موضوع ثورة عارمة، على هذا النهج “التفقيري” الذي يسلكه العسكر تجاه شعب أصيل وحر، وضعته الأقدار تحت رحمة كائنات لا تزال تعيش في عصر الحرب الباردة. إن السؤال الذي كان على البرلماني السعداوي أن يطرحه على نفسه وأمام كاميرات التلفزيون وفي البرامج التي يملأها بالصراخ هو : لماذا لم آكل الموز إلا بعد أن بلغت الثلاثين؟