لماذا لن ينخرط المغرب ميدانيا في منطقة الساحل الإفريقي؟
الدار / افتتاحية
بينما تستعد فرنسا لتقليص تواجدها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي، فإنها تبحث بالمقابل عن سد الثغرة الأمنية والعسكرية التي يمكن أن يخلفها سحب بعض من قواتها، خصوصا في السياق الحالي الذي يتميز باضطرابات وقلاقل في المنطقة بسبب عودة التنظيمات الإرهابية لنشاطها خصوصا في مالي. وبينما يرى بعض المراقبين أن المغرب يمكن أن يلعب دورا مهما في سد الثغرة التي سيتركها الانسحاب الفرنسي، يبدو أن الخطاب الرسمي لا يتماهى كثيرا مع محاولات دفع المغرب للانخراط الميداني العسكري في المنطقة. فعلى الرغم مما تمثله منطقة الساحل من عمق أمني مهم بالنسبة للمغرب، إلا أن السلطات كانت دائما تبحث عن خيارات سلمية واستباقية بدلا من الانسياق وراء دعوات المواجهة والتورط في حروب إقليمية.
هذا الاختيار الاستراتيجي هو ذاته الذي يُستشف من الكلمة التي ألقاها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ممثلا للملك محمد السادس، في الدورة السابعة لمؤتمر رؤساء دول ومجموعة الساحل الخمس. وأكد العثماني استمرار التزامات المغرب إلى جانب أشقائه لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والتنموية. وأشار رئيس الحكومة إلى أن المغرب سيستمر في دعم “معهد الدفاع” لمجموعة دول الساحل الخمس بنواكشوط، وتكوين الضباط المنتمين لدول الساحل بمعاهد التكوين العسكرية المغربية، مبرزا كذلك دور المغرب في تكوين الأئمة المنحدرين من المنطقة في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات. وذكّر في هذا السياق بأن 937 من المنحدرين من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قد تابعوا أسلاك التكوين بالمعهد برسم سنة 2018-2019، كما يزاول المئات من خريجي المعهد مهامهم ببلدانهم الأصلية، مساهمين بذلك في التصدي للتطرف الديني.
هذه المساهمة المغربية في مواجهة ظاهرة التطرف والجماعات الإرهابية تعطي الأولوية لضرورة إشراك الجيوش الوطنية لدول منطقة الساحل في معركة مواجهة التنظيمات الإرهابية، وتمكينها من الأدوات والمهارات والكفاءات التي تجعلها مؤهلة للتصدي لهذا التهديد الأمني المحدق بالمنطقة. وينبني التصور المغربي في هذا الإطار على مبدأ التعاون الإفريقي الإفريق، جنوب-جنوب، وعلى أساس ضرورة استقلالية الأنظمة السياسية في المنطقة، بدلا من تعويلها باستمرار على بعض القوى الدولية في خوض معارك محلية ووطنية. ولا تزال فرنسا تلعب دورا أمنيا كبيرا في منطقة الساحل، وخصوصا في مالي، وتحتفظ بأكثر من 5000 آلاف جندي في المنطقة، كثيرا من يؤدون مهاما قتالية ضد بعض التنظيمات الإرهابية المتجذرة.
ويحذر المغرب منذ سنوات مضت من المخاطر الإرهابية المتنامية في المنطقة، ودعا باستمرار إلى التصدي لها ودعم حكومات الساحل الإفريقي لمواجهتها قبل أن تتغول. لكن هذا لا ينفي أن المغرب لم يتردد في دعم الجهود العسكرية الفرنسية التي ساهمت إلى حد كبير في القضاء على تمدد بعض التنظيمات المتطرفة ومنها تنظيم داعش في منطقة الساحل الإفريقي. غير أن المقاربة المغربية لهذا الملف تراهن على الإسهام بجهود أخرى لا تقل أهمية، تشمل الجوانب التربوية والتعليمية من خلال تأهيل الأئمة، للحد من تأثير الخطاب الديني المتشدد، خصوصا من خلال استثمار التدين الصوفي الذي يميز منطقة الغرب الإفريقي عموما، وتربطه بالمغرب علاقات روحية عريقة، من خلال الطرق الصوفية وعلى رأسها الطريقة التيجانية.
كما أن هذا الدعم التأطيري المغربي يشمل أيضا تأهيل الجيوش والقوات المسلحة في بلدان الساحل الإفريقي، حيث يستفيد المئات من الضباط الأفارقة من التكوين في المعاهد العسكرية المغربية. إن مقاربة التعاون والدعم تجاه حكومات وبلدان الساحل الإفريقي تراهن على حل جذري، يتجاوز المعارك الظرفية التي يمكن أن تخوضها بعض القوى الدولية أو الإقليمية في المنطقة في مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية. فهي مقاربة تحاول تأسيس هياكل محلية لتتمكن الحكومات من التصدي بشكل مستقل وذاتي للمخاطر الأمنية، وتلتفت بعد ذلك إلى التحديات التنموية التي تعتبر أكبر المشكلات المهددة للاستقرار في الساحل الإفريقي. فمعضلات الفقر والجفاف والتصحر كلها أضحت تشكل بيئة حاضنة لكل أشكال التطرف والإرهاب في منطقة تنتشر فيها الأسلحة بسهولة أكبر من انتشار الماء والغداء.