الرأيسلايدر

طبيعة القاسم الانتخابي … قراءة تقنية – سياسية في التناسب والمفعول

ذ. محمد بودن *

من المسلم به بداهة بالنظر إلى تاريخ الممارسة الديمقراطية في العالم أن الأنظمة الانتخابية مستمدة في عدد من التجارب منالقرارات التي تتخذها الأحزاب الموجودة في السلطة أو المشاركة فيها للحفاظ على قوة تمثيلها وفقًا لشروط مهيمنة بحيث طالما أن الساحة الانتخابية لا تتغير وأن النظام الانتخابي الحالي يفيد الأحزاب الكبرى، فإن السعي يكون من أجل عدم حصول متغيرات على مستوى المنظومة الانتخابية بشكل عميق.

أما مع تغير المشهد الانتخابي بسبب انضمام كتلة ناخبين جدد أو حصول تغيير في تفضيلات الناخبين تقوم الأحزاب الموجودة في السلطة بتقديم مبادرات أو استجابات لتطوير النظام الانتخابي.

وعلى هذا المنوال تحول النمط الانتخابي في عدد من البلدان من قاعد الأكثرية إلى قاعدة التمثيل النسبي.

عبر العالم تهتم الأحزاب السياسية بالجوانب القانونية للانتخابات بالرغم من أن النظام القانوني للانتخابات لا يمثل العامل المحدد الوحيد في العملية الانتخابية ويرجع هذا الاهتمام لأن القوانين الانتخابية تشمل جميع الأحكام المهمة التي تنظم العملية الانتخابية وأبعادها الستة المعروفة كحق التصويت، وحق الترشح،والقوائم الانتخابية والدوائر الانتخابية وإجراءات الإدلاء بالأصوات، وإجراءات فرز وتوزيع المقاعد وغيرها من المقتضيات.

من الواضح أن كل هذه المعطيات أساسية لتنظيم المسار الديمقراطي للانتخابات ومع ذلك تركز الأحزاب على البعدين الأخيرين. كيف يصوت الناس؟ ومن يفوز أو يخسر؟ سؤالين محوريين تطورت حولهما الأدبيات المتزايدة بشأن الديمقراطية على مدى عقود.

على الصعيد الدولي، يعد التمثيل النسبي هو النوع الأكثر شيوعًا للنظام الانتخابي حيث تستخدمه 89 دولة من أصل 193 دولة. من بين تلك الدول البالغ عددها 84 دولة، تستخدم 79 دولة أنظمة القائمة النسبية، مع دولتين تستخدمان نظام متعدد الفائزين وثلاثة تستخدم أنظمة تناسبية أخرى. وهناك 34 دولة أخرى تمزج بين التناسب والفائز يأخذ كل شيء. 64 دولة تستخدم نظام الفائز يحصل على كل شيء، بما في ذلك 37 دولة تستخدم التعددية.

يمكن أن يكون لهيكل الانتخابات واختيار الدولة للنظام الانتخابي آثار ملموسة على فعالية الاختيار الديمقراطي.

ليس من المستغرب إذن أن الإصلاحيين في العديد من البلدان يسعون باستمرار لتحسين طريقة انتخاب ممثليهم و انبثاق حكوماتهم حيث تفكر معظم الدول بانتظام في مدى جودة عمل أنظمتها الانتخابية و تمثيلها لمختلف المكونات وتفكر في التحسينات الضرورية ويتم تنفيذ مثل هذه التغييرات في كثير من الأحيان أكثر مما قد يدرك العديد من المراقبين، فقد تم تبني تغييرات كبيرة في الأنظمة الانتخابية في نيوزيلندا وفرنسا وإيطاليا واليابان و اعتمدت اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية أنظمة انتخابية تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في المملكة المتحدة ولذلك فالعملية الديمقراطية هي بناء متواصل و يسمح بالاجتهاد و الابتكار الذي يستتبعه نقاش فعلى سبيل المثال ابتكرت الدول الاسكندنافية آلية مقاعد التسوية في برلماناتها التي تختلف عن المقاعد البرلمانية العادية.

لذلك من الطبيعي ان يجد موضوع القاسم الانتخابي رواجا في النقاش التشريعي والعمومي بالمغرب لأنه جزء من النظام الانتخابي الذي يخضع باستمرار للترشيد والقياس المستمر لما يمكن ان يترتب على بعض التقنيات المعمول بها من ملاحظات.

لا شك أن الميكانيزم المتعلق بالقاسم الانتخابي في صيغته المطروحة أنتج ثروة نظرية وجدلا بارزا بين بعض الأطراف السياسية والدارسين والمهتمين ولذلك ظهرت بعض الاتجاهات النظرية التي ركزت على بحث مضمون التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي وأهدافه والغاية منه وهل سيعزز التمثيلية لمكونات واسعة بمجلس النواب؟ أم انه يمس بحرية التصويت؟ أم ان الامر يتعلق بآلية لتوزيع المقاعد فقط؟ وهو ما تروم هذه الورقة الإجابة عنه.

أولا: محاكاة انتخابية لتقنية القاسم الانتخابي

يمكن القول في ضوء مجمل القراءات وما تمخض عنها من أراء ومناقشات أن القاسم الانتخابي مرتبط برياضيات الانتخابات وفي هذا الإطار ثمة نماذج مدرسية لتوزيع المقاعد عبر العالم من بينها نظام جيفرسون دهوندت وهو عالم رياضيات ومحام بلجيكي علاوة على طريقة سانت ليغو وطريقة المكعب وطريقة الوعاء والمغرفة وهي تقنيات معتمدة في عدد من التجارب المقارنة.

تبدو مسألة القاسم الانتخابي متعددة الأبعاد في مقاربة أولية، فكيف يتم الحصول على القاسم الانتخابي في الصيغة المطروحة؟

نقوم بنمذجة التوزيع المشروط للمقاعد في إطار هذا الميكانيزم بالنظر الى عدد المقيدين في القائمة الانتخابية بدائرة انتخابية معينة.

** معادلة:

عدد المقيدين في اللائحة / عدد المقاعد المخصصة لدائرة انتخابية = القاسم الانتخابي.

ولذلك فتقنيا يتم الحصول على القاسم الانتخابي أو الحاصل الانتخابي في عدد من التجارب بقسمة عدد الأصوات الصحيحة أو المعبر عنها على عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية.

في الصيغة المصادق عليها ضمن متن مشروع القانون التنظيمي 21-04 يتم الحصول على القاسم الانتخابي بقسمة عدد المقيدين في اللائحة الانتخابية على عدد المقاعد المتبارى عليها في الدائرة الانتخابية.

**نماذج:

دائرة 1 : عدد المقاعد 2 وعدد المسجلين 100 الف ناخب _ القاسم الانتخابي : 50 ألف
دائرة 2 : عدد المقاعد 3 وعدد المسجلين 120 الف – القاسم الانتخابي 40 الف.
دائرة 3: عدد المقاعد 4 وعدد المسجلين 180 الف ناخب – القاسم الانتخابي : 45 ألف
دائرة 4: عدد المقاعد 5 وعدد المسجلين 500 الف – القاسم الانتخابي 100 ألف.
دائرة 5: عدد المقاعد 6 وعدد المسجلين 300 الف – القاسم الانتخابي 50 ألف.

ولذلك فهذه الصيغة تتميز بقاسم انتخابي مرتفع وقد لا يصل إليه المتنافسون في عدد من الدوائر وبالتالي سيتم اللجوء لآلية أكبرالبقايا أو أقوى المعدلات وعليه فمهمة الحصول على أكثر من مقعد في عدد من الدوائر ستكون صعبة.

تتوفر هذه الصيغة على ميزة تتجلى في إمكانية التنبؤ باحتمالية كسب مقعد انطلاقا من القاسم الانتخابي الذي يكون معلوما قبل إجراء الانتخابات ولذلك فالأحزاب المتبارية يمكنها أن تشتغل على الدوائر التي يستخرج من بياناتها قاسم انتخابي منخفض نوعا ما.

كان بالإمكان اللجوء أيضا إلى متوسط القاسمين بجمع القاسم الانتخابي على أساس الأصوات المعبر عنها والقاسم الانتخابيعلى أساس عدد المسجلين بحيث يتم استخراج أحدهما من الأصوات المعبر عنها والآخر من عدد المسجلين ليتم الحصول على متوسط أو معدل توزع على أساسه المقاعد.

إن السمة البارزة التي تطغى على عمل المشرع في المادة الانتخابية دائما هي الحيرة بين القاسم الفعال والقاسم التقريبيطالما انه لا يوجد قاسم منصف في جميع الأزمنة لمختلف الفرقاء.

ثانيا: القراءة السياسية المقترحة بخصوص القاسم الانتخابي

من الواضح أن السؤال البارز في هذا الخضم يتعلق أساسا بالآثار السياسية المحتملة للقاسم الانتخابي.

فقد لا تناسب الصيغة المطروحة معيار النجاعة المتعلق بالمنطق الأغلبي والتقاطبي وقد لا تجازي بعض الأحزاب لكنها في الواقع تناسب معيار التمثيلية الذي يضمن حضورا لمختلف مكونات المشهد الحزبي في المؤسسات.

فالمعيار الأول يمنح الأولوية للأحزاب القادرة والمعيار الثانييعطي الأفضلية لتمكين الأحزاب الصغيرة من المشاركة ولا شك أن لكل صيغة مزايا وعيوب واعتماد أنماط الاقتراع وتوزيع المقاعديثير إشكالات وخلافات في مختلف التجارب الديمقراطية.

لا شك أن أي نظام انتخابي أو إجراء يمكن أن ينطوي على أثار جانبية بمجازاة أو حرمان طرف أو أطراف سياسية وفي التجارب الديمقراطية يتم التغلب على هذه الآثار الجانبية أو الحد منها بترقية قاعدة التداول على المشاركة في السلطة.

لا توجد صيغة واحدة لتحويل إرادة الأمة إلى مقاعد بالبرلمان وفي الأنظمة الانتخابية دائما هناك سعي لوضع ميكانيزمات ترجمة مبدأ السيادة للأمة إلى تمثيل سياسي، ومن الطبيعي أن تدافع الأحزاب السياسية عن تدابير وإجراءات تضمن قوة حضورها الانتخابي من جهة أو تعزز من فرص حضورها في الاستشارة التشريعية من جهة أخرى.

ظل سؤال الشرعية الانتخابية مطروحا منذ فترة هل هي منقوصة أم لا؟ بفعل ضعف المشاركة، وإمكانية تكييف هذه الصيغة مع المبادئ الديمقراطية للسيادة الشعبية والتمثيل السياسي ولذلك اعتقد ان الصيغة المذكورة تتعلق بما هو مطلوب من الأحزاب السياسية للحصول على مقعد في مجلس النواب وليس لها ان تستبعد أصوات الناخبين أو إرادتهم او تؤثر في صدقية الاقتراع مع اليقين بأن لكل صيغة مزايا وعيوب ومع ما للصيغة المطروحة من ايجابيات فقد يتسنى لها امتصاص ما قد ينشأ عنها من أثار جانبية.

لا شك ان التراضي والتوافق كان سيكون مسألة حيوية بين الفرقاء لأن الحلول التقنية متوفرة لكن ينبغي الحرص على بلوغ الأهداف السياسية بدون طعن سياسي في المسيرة الديمقراطية للمغرب لأنها مسألة أساسية في المعادلة المغربية التي ترتكز على الريادة الملكية وانجازات المغرب في مختلف الميادين واستحقاقاته في المستقبل بالخصوص ما يتعلق بالوحدة الترابية والأمن الصحي والغذائي وغيرها من التطورات التي انعكست بشكل ايجابي على سمعة المغرب.

هذا النقاش يأتي في سياق تتمتع فيه قاعدة تعدد الفائزين بأفضلية على قاعدة الفائز الواحد و قد يكون مناسبا بناء برلمان العمل الجماعي أو الوحدة الوطنية في المرحلة القادمة ولذلك فمن الأفيد بالنسبة للأحزاب السياسية تجنب بعض المربعات الضيقة في النقاش حول بعض الهوامش.

ثالثا: فحص دستورية الصيغة الجديدة للقاسم الانتخابي

يرتدي الميكانيزم المعتمد المنصوص عليه في النص 21-04 المصادق عليه أهمية خاصة على صعيدين، الأول هو أنه من الجانب المتعلق بفلسفة وروح القانون وتفسير السيادة للأمة يمكن تغليب المنطق التمثيلي الموسع وغائية المؤسسات في المستقبل على هاجس التقيد الحرفي ببعض الجوانب الشكلانية وهنا تسمو الشرعية العامة.

والثاني هو أنه من الجانب القانوني يمكن أن تفرض بعض المبادئ النصية نفسها على القاضي الدستوري الذي يملك صلاحية تأويل الدستور وتفسيره كما هو مبين في الفصل 132 من الدستور.

ونظرا لأن الجمود يمكن أن يؤثر على بعض المسارات المؤسسية أمكن التحرر من بعض الأصول الجوهرية.

يجادل المدافعون عن الصيغة المستحدثة في مواجهة مآخد من المترافعين عن الصيغة المعمول بها لكن يبقى للمحكمة الدستورية الولاية في التوصية ببعض الاحترازات اللازمة أو تقديم التفسيرات الضرورية والتصدي ضمنيا او بشكل صريح للقراءات غير المتسقة مع روح الدستور وإعلان مطابقة متن النص المعروض للوثيقة الدستورية ما لم يخل بمبدأ أو قاعدة دستورية.

رابعا: مزايا القاسم الانتخابي المستحدث وأثاره الايجابية

قد تفوق مزايا الخارج الانتخابي على أساس عدد المسجلين في القوائم الانتخابية العيوب التي يمكن أنتنشأ عن إعماله، ومنها:

– الميزة الأولى: يمثل صيغة لتحويل سيادة الأمة إلى تمثيل برلماني؛
– الميزة الثانية: يشجع على تفعيل الناخب لحقه الدستوري وواجبه الوطني؛
– الميزة الثالثة: لا يتدخل في اتجاهات أصوات الناخبين المشاركين ويحمل المسؤولية الوطنية لمن لهم حق التصويت؛
– الميزة الرابعة: تنبثق عنه شرعية انتخابية غير منقوصة بالنسبة للأغلبية والحكومة؛
– الميزة الخامسة: يحمي طموحات الأحزاب المتوسطة والصغيرة في عملية توزيع المقاعد ويمكنها من إسماع صوتها في مجلس النواب ولا يضع قيودا على طموحات الأحزاب التي تريد التفوق على القاسم الانتخابي، لكنه يتعارض مع منطق المتصدر يأخذ الحصة الكبيرة؛
– الميزة السادسة: يشجع الناخبين الذين لا يكلفون أنفسهمعناء التصويت لأنهم يعتقدون ان تصويتهم سيكون له فرصة ضئيلة في المساعدة على انتخاب مرشحهم؛
– الميزة السابعة: القاسم الانتخابي في صيغته الجديدة يعتمد الواقعية بحيث لا ينتصر لمن لم يحظى بثقة الناخبين بل انه يحمي من ذهبت أصوات الناخبين لمصلحته واقترب من المعدل المطلوب.

في ضوء َما سبق ذكره، تبدو مزايا القاسم الانتخابي المذكور قادرة على تبرير اللجوء إلى اعتماده ويمكن للنظام الانتخابي استبطانه وفي تقديري هذا الأسلوب المبتكر من سن القواعد القانونية يسمح بالتفاعل مع مختلف التطلعات.

* رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية

زر الذهاب إلى الأعلى