لماذا يتحمس حزب الأصالة والمعاصرة للقاسم الانتخابي الجديد؟
الدار / افتتاحية
بغض النظر عن مساوئ أو محاسن القاسم الانتخابي في صيغته الجديدة، كما اقترحتها القوانين الانتخابية، فإن أكبر المستفيدين منه بلا شك هي تلك الأحزاب الصغيرة التي تظل خارج المنافسة على المراتب الأولى المخولة للصدارة أو على الأقل للدخول في التحالف الحكومي. فعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن الأحزاب الكبرى التي تمثل صف المعارضة مثل حزبي الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، سيجدان نفسيهما في نهاية المطاف أمام الحصيلة الانتخابية ذاتها، ولربما تراجعت نتائجهما. فحزب مثل حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة على المرتبة الثانية بـ102 من المقاعد البرلمانية، يمكن أن ينتابه التوجس ذاته الذي ينتاب حزب العدالة والتنمية من توسيع القاسم الانتخابي ليشمل كافة المسجلين في اللوائح الانتخابية.
وبعيدا عن تلك التأويلات التآمرية التي تعتبر أن الجرار مستعد للقيام بعملية انتحارية لأداء المهمة التي أوكلت له منذ تأسيسه، فإن الدافع إلى فهم هذا الموقف قوي لدى مختلف المراقبين والمتابعين. فكثيرا ما يعتبر الإسلاميون أن القاسم الانتخابي بمنطقه الجديد يستهدف إسقاطهم من المرتبة الأولى وانتزاع السبق الانتخابي الذي يمكن أن يحققوه في الاقتراع المقبل، وبالتالي الحؤول دون عودتهم لترأس الحكومة من جديد. ولتحقيق هذه الأهداف فإن كل شيء جائز بما في ذلك فرض هذا النموذج من القاسم الانتخابي المثير للجدل، والذي يعتبره البعض ضربا للمنافسة الديمقراطية والشفافة.
لكن فهم موقف حزب الأصالة والمعاصرة لا يمكن أن يتم خارج سياقه التاريخي الذي أفرزه كقوة انتخابية كاسحة. لا يجب أن ننسى أن هذا الحزب تأسس على عقيدة صريحة لمواجهة تغول حزب وحيد واستئثاره بالمشهد السياسي، بل إن بعض قادته لم يترددوا في بدايات التأسيس في التصريح بأنهم جاءوا لمحاربة الإسلاميين والتصدي لهيمنتهم. ومن الطبيعي أن بلوغ هذا الهدف قد يدفع الحزب للقيام بما يراه البعض أحيانا عملية انتحارية واضحة، يمكن أن تؤدي به إلى التراجع انتخابيا وربما خسارة مرتبته الثانية كمرشح لمنافسة البيجيدي في الاستحقاقات المقبلة. لكن هذا المنطق الانتحاري لا يخلو في عمقه من واقعية كبيرة تدركها قيادة حزب الأصالة والمعاصرة.
هذه الواقعية عنوانها الرئيسي أنه لا يمكن في الظرف الحالي هزيمة حزب العدالة والتنمية وإزاحته من على رأس النتائج الانتخابية إلا بتضافر جهود كل القوى الحزبية، ولو تطلب الأمر من الجرار التضحية ببعض مقاعده لفائدة أحزاب أخرى. وفي قلب هذه الواقعية هناك أيضا براغماتية سياسية واضحة. حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه يطمح للحكم والسلطة، ويريد أن يصل إليها بأي شكل، كأي حزب سياسي شرعي، ولربما كان المدخل للوصول إلى السلطة، ليس هو الفوز بالمرتبة الثانية ومزاحمة البيجيدي، وإنما هو هزيمة هذا الأخير، وتراجع الفارق الكبير بينه وبين باقي القوى السياسية. هذا التراجع هو الكفيل لربما بمنح الفرصة للأصالة والمعاصرة من أجل التصدر، وبالتالي الحصول على فرصته التاريخية من أجل ممارسة السلطة.
بعبارة أخرى، إن سقوط البيجيدي من رأس القائمة يعني آليا صعود الجرار. وهذا ما يفسر انخراط حزب الأصالة والمعاصرة مع بقية أحزاب المعارضة، في الدفاع عن القاسم الانتخابي الجديد، كما ظهر ذلك من خلال مذكرة “الملاحظات الكتابية” التي تقدم بها الحزب إلى جانب كل من حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية. إنه تكتيك سياسي مبرر وذكي من حزب يريد أن يسقط خصمه، وينتفع من هذا السقوط، لتصدر المشهد، وربما بالوصول إلى مسؤوليات التدبير السياسي.