هل يمثل مقتل البندير تحولا في الاستراتيجية العسكرية للمغرب؟
الدار / تحليل
مقتل رئيس الدرك الوهمي للجمهورية الوهمية الداه البندير يمثل تحولا جذريا في تدبير المغرب لخروقات الانفصاليين لقواعد وقف إطلاق النار، وانتهاكهم للسيادة الوطنية على الصحراء المغربية. ويمثل هذا الحدث الذي أوردته وسائل إعلام دولية وإقليمية عن مقتل العسكري المذكور بطائرة مسيرة عن بعد، مرحلة جديدة في التطورات الكبيرة التي عرفتها القضية الوطنية منذ العام الماضي إلى يومنا هذا، بدء بالتدخل الحاسم والهادئ في منطقة الكركرات وإجلاء فلول الانفصاليين مرورا بالاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وصولا إلى تمديد الجدار العازل وتعزيز وظيفته الدفاعية.
من الواضح أن أزمة الكركرات كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن السلطات المغربية لم تعد تقبل أو تتساهل مع كل ما يطال سيادتنا على صحرائنا أو يمثل تهديدا لمواطنينا ومصالحنا في المنطقة. قبل أن تتدخل في الكركرات عمدت السلطات إلى استنفاذ كل الوسائل والسبل الدبلوماسية والإجراءات التي عليها القانون الدولي. تم إشعار الأمم المتحدة وقواتها في المنطقة، ووضع المنتظم الدولي أمام مسؤولياته، كما تحميل الجزائر كل المسؤولية القانونية والسياسية عن الانفجار المحتمل للأوضاع في المنطقة. وبعد كل هذه الخطوات لم يتطلب الأمر سوى تدخل سريع للقوات المسلحة الملكية في عملية هادئة ونوعية ليتم إخلاء معبر الكركرات وفتحه من جديد أمام حركة التجارة الدولية باعتباره منفذا نحو غرب إفريقيا.
لكن أهم ما حاول المغرب تأكيده من خلال عملية الكركرات هو أن عهد انتهاك وخرق خطوط التماس وبنود اتفاق وقف إطلاق النار، انتهى. لقد صرح المغرب رسميا حينها بأنه لن يتساهل مع أي محاولات استفزازية جديدة وأن الرد سيكون عاجلا وفي إطار ما يسمح به القانون الدولي لحماية الحدود الوطنية والأمن بالمنطقة. لذلك تعتبر عملية استهداف رجل من حجم الداه البندير رسالة قوية موجهة للانفصاليين، وأساسا الجزائر، التي تخوض منذ العام الماضي معركة طويلة النفس لدفع النزاع نحو التصعيد العسكري بشكل يثير القلق الدولي، ويدفع المنطقة إلى الاشتعال من أجل إحياء القضية التي ولدت أصلا ميتة، ولم يكن لها بتاتا أي أسس قانونية أو تاريخية.
فالجزائر تدرك أن المغرب نجح بسياساته السلمية على مدى عقود في احتواء الملف ووضعه في أرشيف الأمم المتحدة ودفعه خارج دائرة أولويات المنتظم الدولي. وفي هذا الإطار كانت استفزازات الكركرات والاستعراضات العسكرية في منطقة تيفاريتي والتهديد المتواصل بإعلان الحرب. لكن المغرب أيضا أكثر إدراكا بأن المرحلة التاريخية التي تمر منها القضية الوطنية استثنائية وغير مسبوقة، وأن الظروف مواتية أكثر من أي وقت مضى لإنهاء هذا النزاع الذي طال أكثر من اللازم. وهو لن ينتظر الضوء الأخضر من هذه الدولة أو تلك للدفاع عن أمنه الوطني وتحصين سيادته على أراضيه. لقد ولى ذلك العصر الذي كان فيه المغرب يفضل تلقي الضربات واحتواءها على منطق التصعيد والحسم.
الضربة العسكرية إذاً لم تعد خيارا استثنائيا أو مستبعدا لمعالجة هذا النزاع. كل بلدان العالم اليوم لا تتردد في مطاردة الإرهابيين والمتمردين المسلحين أينما حلوا أو ارتحلوا للقضاء على بؤر التهديد التي يمثلونها. والمغرب ليس بدعاً من هذه البلدان التي تدافع عن أمنها ووحدتها، خصوصا إذا كان خصوم الوحدة الترابية على الحدود مباشرة، ويدبرون دون كلل أو ملل المؤامرات للنيل من استقرار البلاد وأمنها. وإسقاط الداه البندير ليس أول ولا آخر الانفصاليين المعنيين بالسلوكات الإرهابية التي تمثلها منظمة البوليساريو الانفصالية، كما أنه يمثل رسالة مباشرة للجزائر التي تدعي أنها تدافع عن الصحراويين وعن حقوقهم، فهل تستطيع حماية الإرهابيين سوط العقاب المسلط عليهم؟