الملك يبعث رسائل الإنجاز و”المعقول” من فاس
الدار / تحليل
هناك معنى سياسي عميق يستشف من الحدث الهام الذي شهدته مدينة فاس بإطلاق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة برئاسة الملك محمد السادس. نحن في قلب الأزمة الصحية التي تضرب بقوة الاقتصاد الوطني والمنظومة الصحية، لكن الملك منشغل بأوراش “المعقول” إذا صح التعبير، التي تنكب على علاج الأسباب لا على علاج الأعراض. لقد كشفت جائحة فيروس كورونا المستجد حجم الهشاشة المتجذرة في المجتمع المغربي بشكل عرّض جل المواطنين إما لفقدان مورد رزقهم والتحاقهم بصفوف العاطلين عن العمل، أو للدخول في دوامة لا تنتهي من التعلق بأشكال الدعم الهزيلة وغير المنصفة.
لم يعد هناك مجال لإضاعة المزيد من الزمن السياسي في المزايدات الانتخابوية حول برامج ومشاريع وقوانين يفترض أنها وضعت لخدمة المواطن ولتنشيط النمو الاقتصادي وتعزيز القدرة الشرائية وتحسين الدخل. في الشهور القليلة الماضية اندلع الجدل بخصوص الكثير منها، فعلى سبيل المثال حظي مشروع تقنين استعمال القنب الهندي لأغراض صناعية وطبية، بالكثير من المناقشات بين مختلف الفرقاء السياسيين، وكان موضوع مزايدات لا حصر لها. والحال أنه مشروع بالغ الأهمية يمكن أن يمثل ثورة تنموية في المناطق الجبلية المعزولة التي تجد الدولة صعوبات جمة في إدماجها في النسيج الإنتاجي الوطني. هذه الأهمية والفائدة الجمة التي يمكن أن يجنيها المجتمع من هذا القانون لم تكن هي موضوع المناقشات وذهب الجميع نحو تداول القضايا الهامشية وتبادل الاتهامات.
لكن الأوراش الملكية المفتوحة اليوم تنطوي على رسالة بالغة الأهمية لكافة الفرقاء السياسيين. كفاكم من المزايدات والجدل العقيم، وانكبوا على العمل والإنجاز. إذ لم يمض وقت طويل على إعلان الملك محمد السادس فتح مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، حتى تم إعداد الاتفاقيات القطاعية الخاصة بها، للشروع قريبا في تنزيلها. فهذا الورش الملكي سيستفيد منه، في مرحلة أولى، الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة. كما يمتد ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى في أفق التعميم الفعلي للحماية الاجتماعية لفائدة كل المواطنين.
هذه المسارعة إلى إعداد هذا الورش والشروع في تنفيذه مردها أساسا إلى كل تلك الدروس العميقة المستخلصة من جائحة فيروس كورونا المستجد. ومن أهم هذه الدروس إجراء الإصلاحات المهيكلة والجذرية المؤثرة فعلا، التي لا تقتصر نتائجها وآثارها على الظرفية العابرة، بل يمكن أن تترك أثرا ممتدا في الزمان وفي المجتمع. فاستفادة عموم المغاربة من الحماية الاجتماعية سيمثل لا شك واحدا من أهم الإصلاحات التي قامت بها الدولة المغربية منذ الاستقلال إن لم نقل أهمها. فلم يسبق لأي من الحكومات أن طرحت هذا الورش كمشروع ينبغي تنفيذه في ظرفية سريعة كهذه التي تم إقرارها في أفق 2025.
نحن إذا أمام رسالة سياسية بالغة الأهمية تستهدف استنهاض ما تبقى من الوفاء السياسي لدى مختلف الهيئات الحزبية للأدوار الحقيقية المنوطة بها، باعتبارها قوة اقتراحية تقدم الحلول والعلاج للمشكلات التي يتخبط فيها المغرب، منذ الاستقلال. فإذا كانت الدولة ملزمة دستوريا بتوفير العلاج والشغل والحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنيها فإنه من الذكاء أن يتم ذلك بمساهمة الجميع بمن فيهم هؤلاء المواطنون أنفسهم الذين سيساهمون من خلال أداء واجباتهم المالية تجاه الصناديق الاجتماعية في توسيع دائرة الحماية الاجتماعية وتجنيب الدولة نفقات عمومية كهذه يمكن أن تثقل كاهلها وتضرب كل التوازنات الاقتصادية والمالية عرض الحائط.